“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
يريد رئيس تيار المستقبل سعد الحريري “ردّ الإجر” إلى باريس لإنهاء ذيول الامتعاض الفرنسي الرئاسي منه. سبق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن “قرّعه” لمساهمته في إخفاق مهمة السفير مصطفى أديب، لذا فوّض نفسه تولي مهمة تعويض باريس عن الإخفاق وإعادة استنهاض المبادرة الفرنسية من جديد.
يحاول الحريري إعادة تجديد الروح بالمبادرة الفرنسية المتهالكة بشقها السياسي لكن وفق مبادرة لبنانية هذه المرة يتولى هو إدارتها. عبر برنامج “صار الوقت”، أعلن أنه “مرشح طبيعي لرئاسة الحكومة ومن دون جميلة من أحد”. يستقوي بعضلاته في المجلس النيابي، وفي مكان آخر يخضع نفسه لموجبات المبادرة الفرنسية التي نصّبته في الاساس رئيساً مكلفاً مع وقف التنفيذ.
وضع الحريري لنفسه سقف 72 ساعة من أجل إستبيان مواقف الكتل السياسية من المبادرة الورقة الفرنسية وإستطراداً من مبادرته. على الأرجح أن الحريري سيجد صدى لمبادرته بحكم ان مختلف القوى ما زالت تستكين إلى المبادرة الفرنسية كحل وحيد وأخير للازمة، وعليه فهي حكماً لن تعرقل مبادرة الحريري.
هذا في الشكل، لكن في المضمون قد تختلف القضية. صحيح أن مختلف الكتل تقريباً تُجمع على ضرورة العودة بسعد الحريري إلى السراي، لكنها تختلف في مضمون هذه العودة وشروطها. في المقابل، الحريري يربط عودته بالشروط التي كان قد وضعها بعيد إستقالته من رئاسة مجلس الوزراء في تشرين الأول 2019، هذه الخلاصة التي ظهرت في مقابلته.
بالنسبة إلى الأكثرية، صحيح أنها تدفع تجاه إعادة بثّ الثقة بسعد الحريري رئيساً لمجلس الوزراء إنسجاماً مع موقفها بأن المرحلة تحتاج إلى أصيل وليس وكيل، لكنها مع ذلك، تجد أنه من غير المنطقي أن يعود الحريري إلى طرح رؤى سياسية مستمدة من العام 2019 متجاهلاً كل المتغيرات التي حدثت في 2020. بالتالي فإن الامور ما زالت عالقة عند النقاط ذاتها.
عملياً، وضع الحريري قدماً في الاستشارات النيابية الملزمة ومصير القدم الاخرى يأتي ربطاً بمفاوضات جوالة سيتولى إدارتها. في الغالب، رفع الحريري من سقف شروطه إلى الحد الاقصى (حكومة اختصاصيين مصغرة مدة صلاحيتها 6 أشهر تتولى عملية وقف الإنهيار)، وهذا السقف سيوفر قاعدة للنقاش متى أصبح على مسافة واحدة من الجميع. قد يحتاج التفاوض إلى تمديد لفترة، وهذا يحيلنا إلى احتمال قذف الاستشارات اسبوعاً إضافياً على مبدأ أن أحداً لا يريد التفريط بالإيجابيات. في النتيجة سيكون الحريري رئيساً مكلفاً سواء هذا الاسبوع او الذي يليه، يؤلف أم لا يؤلف هذا بحث آخر.
ما يمكن لفت النظر إليه، أن مبادرة الحريري مبدئياً لم تكن لتحصل لولا حصوله على “قبة باط” خارجية. هذا يعني أن ظهور الحريري التلفزيوني الذي جاء بطلب منه كان منسقاً.
هذا يعيدنا إلى الدور المصري الذي عاد للظهور مؤخراً على خط المبادرة الفرنسية، والسؤال هل تولت القاهرة إدارة وساطة مع الرياض القائمة على موقف الحريري السياسي أدى إلى رفع الفيتو ولو تدريجياً عنه ووفر شبه غطاء له لكن ضمن قائمة شروط محددة؟ إذا صح ذلك، ما هو مصير خطاب الملك السعودي سلمان الذي رفع الحرم السياسي على كل من يتعاون مع حزب الله في الداخل؟
عملياً، سياق تسويق الحريري إلى رئاسة الحكومة بدأ قبل مدة وجيزة. الأيام الماضية حفلت بالتسريبات حول احتمال حدوث ذلك. كان الحريري يعوّل في هذا المجال على موقف الثنائي الشيعي الداعم له. صحيح أن الحريري قد شطح كثيراً في مهاجمة الثنائي وتحديداً حزب الله خلال إطلالته، وأسباب ذلك يمكن تفصيلها في مقال لاحق، مع ذلك فما أراده الحريري من وراء تسعير الخطاب ضد الثنائي أن يجعل لنفسه مسافة عنه، رغم ذلك، عين التينة لم تهضم كلياً كلام الشيخ سعد بل لديها مآخذ عليه على الاغلب سيجري إبلاغه إياها عبر الطرق الدبلوماسية.
التسويق للحريري فعلياً بدأ عبر مقابلة رئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي عبر LBCI حين أعلن ترشيحه للرجل. كلام ميقاتي في جانب منه يعني منح غطاء رؤساء الحكومات السابقين لترشيح الحريري. هذا الغطاء لا يمكن منحه من دون “موافقة خارجية، خليجية تحديداً”. سبق هذا الترشيح إجتماع للرباعي السني أنزل ميقاتي عن شجرة مبادرته ما أمّن أجواء سحب اسمه من التداول. هذا الجو يوحي احتمال تجميد فيتو سعودي لفترة محدودة افساحاً في المجال أمام الحريري لتطبيق وعوده التي أفصح عنها في مقابلة “صار الوقت” لاحقاً، اي حكومة اختصاصيين مدتها 6 اشهر. هنا يعود السؤال هل تقبل الرياض بجلوس سعد الحريري إلى جنب وزراء محسوبين على حزب الله؟ وكيف سيكون تمثيل الحزب؟ مباشر أم غير مباشر وما هو موقف السعودية منه؟
الحزب في الاساس سلف الحريري هدوءاً سياسياً مصدره عين التينة مع دخول دعوة رئيس الجمهورية لاستشارات ملزمة نهار الخميس المقبل بدليل كلمة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله التي جاءت خالية من الدسم السياسي.
التركيز الآن بإتجاه قصر بعبدا ومن خلفه التيار الوطني الحر. الرئيس ميشال عون لم يبدِ أي اعتراض حول احتمال عودة الحريري “في حال أراد” طالما ان ذلك سيحدث إنسجاماً مع المبادرة الفرنسية، وعلى الارجح أن التيار الوطني الحرّ غير بعيد عن هذا الجو مع بدء الحلحلة على خط الحريري – باسيل، فهل سيقودنا الثلث الباقي من العهد إلى تجديد التسوية الرئاسية وفق قواعد تحالف رباعي جديد؟
للبحث صلة…