«إذا مش الإثنين الخميس»، أصبح «شعاراً» من الماضي. الاتكال على الحظ يومين فقط في الأسبوع لم يعد كافياً. «شعار المرحلة» اليوم هو: «من الإثنين إلى الأحد». فلا أحد يعرف متى يبتسم الحظ. وبحسب «منطق» المقامرين، «إذا ما جرّبت ما بتربح». والتجربة لم تعد تقتصر على شراء ورقة لوتو بألفي ليرة، بل باللعب All In و«على المكشوف». فعلى ما يقول «الخبراء» في هذا المجال: «بدك تحط كتير لتشيل كتير. وفي النهاية لا بد من أن تنقش».
لكازينو لبنان روّاده «الأوفياء» في فترات اليسر كما في العسر. إلا أن الأزمة الاقتصادية زادت من الإقبال عليه بشكل لافت، إلى درجة «باتت تفرض إبقاء كثيرين في الخارج وإقفال الأبواب لساعة أو ساعتين ريثما تخفّ الزحمة في القاعات»، وفقاً لرئيس مجلس إدارة الكازينو رولان خوري، مؤكداً أنه «تاريخياً»، يزيد الإقبال على الكازينو في فترة الأزمات. هكذا، في ظل الانهيار النقدي وانتشار الوباء وكارثة انفجار المرفأ، ازداد الإقبال على الكازينو «بنسبة 30% مقارنةً بالعام الماضي، مع الأخذ في الاعتبار شروط التباعد الاجتماعي، والتي لولا اتباعها لقفزت النسبة إلى حدود 50%». مواقيت فتح الكازينو بسبب «كورونا» أثّرت في أعداد اللاعبين. فوفقاً لخوري «تراجعت الأعمال بشكل كبير بسبب الإقفال. وعادت لترتفع بشكل مقبول حين فتحنا الكازينو في حزيران حتى العاشرة مساءً. لكن بعدما مدّدنا وقت الإقفال حتى الساعة 4 صباحاً ابتداءً من تموز أصبح الإقبال ممتازاً».
لكن من تسبّب في هذه الزيادة: معدومو الحال ممن يبحثون عن قرش «من غيمة» أو من «برمة» الروليت، أم فئات اجتماعيّة أكثر يسراً؟ سؤال لا يملك خوري جواباً حاسماً عليه. فرغم تأكيده أن «الزيادة الكبيرة في الزوار تدفعنا إلى التفكير بأن أشخاصاً محدودي الإمكانات المادية يقصدون الكازينو بشكل لافت، إلا أنه يفترض البحث إن كان أيضاً أحد أسباب هذه الفورة هو صرف الناس للدولارات التي يتسلّمونها من الخارج أو تلك التي خبّأوها في المنازل؟».

150 ألف دولار لا تكفي!
تراجع الإقبال على اللوتو عموماً منذ 17 تشرين الأول المنصرم. هذاالتراجع قد لا يكون مرتبطاً فقط بانخفاض القدرات الشرائية وبالتالي صعوبة الاستغناء عن 2000 ليرة ثمناً لورقة اللوتو، بل أيضاً لأسباب نفسية وعمليّة تتحمّل المصارف جزءاً منها.
المدير العام لـ«الشركة اللبنانية لألعاب الحظ» جورج غريب أوضح أن «مبيعات اللوتو انخفضت بنسبة 50% بعد الانتفاضة الشعبية منتصف تشرين الأول الماضي، ومن ثم بسبب كورونا والإقفال الشامل للبلاد لفترات طويلة». لكن لانهيار سعر صرف الليرة دوره أيضاً في الحد من جاذبية اللوتو، إذ أن كثيرين يفضلون عدم التفريط بحظهم «على الرخيص»، على ما يقول أحد لاعبي اللوتو المتقاعدين حالياً، أو «الآخذ إجازة مفتوحة» كما يحلو أن يصف وضعه حالياً. فبالنسبة إليه «الجائزة الكبرى كانت تساوي مليون دولار، أما الآن فبالكاد تساوي 150 ألف دولار».
بحسب غريب، أثّر احتجاز المصارف لودائع الناس في حماسة لاعبي اللوتو «كوننا نسلم الجوائز عبر المصارف التي تسمح بسحوبات محدودة حتى بالليرة اللبنانية». لكن، منذ نحو 3 أسابيع، «وتفادياً لهذا العائق أصبحنا نسلم الأموال نقداً للفائزين». أدى ذلك إلى زيادة الإقبال على اللوتو، وبعدما سجّلت الشركة عقب 17 تشرين انخفاضاً في أعمالها بنسبة 50%، أصبح هذا الانخفاض اليوم 20%.

مراهنات «ديليفري»
تجتاح المراهنات الضاحية الجنوبية لبيروت حيث تنهش البطالة أعداداً كبيرة من الشباب. يكشف أحد العاملين في «الكار» أن «المراهنات عبر الانترنت كانت ترتكز أساساً إلى الرياضة ومباريات كرة القدم، لكن الأمور توسّعت أكثر الآن وأصبح الأمر أشبه بكازينو بكل معنى الكلمة، إذ أن مواقع اللعب زادت من عدد الألعاب التي توفرها، حتى بات عددها يفوق المئة. بالمختصر، تجري المراهنة على كل شيء يمكن أن تتخيّله».
الانهيار الذي أطاح بالقطاع المصرفي زاد من أعمال مكاتب المراهنات غير الشرعية بشكل لافت. ففي السابق كان يمكن لمن يرغب بالمراهنة استخدام بطاقته المصرفيّة، وكانت الأرباح تدخل إلى حسابه المصرفي مباشرةً. أمر أصبح متعذّراً الآن لكثيرين، باتوا يتعاملون مع مكاتب المراهنات غير الشرعية التي «تتسلّم وتسلمهم الأموال عبر الديليفري احتراماً للتباعد الاجتماعي وللوقاية من كورونا».
وهناك حالياً 6 أسعار صرف معتمدة في مكاتب المراهنات غير الشرعية: إما مراهنة بالليرة أو بالدولار على أساس 1500 ليرة أو 3 آلاف ليرة أو 5 آلاف ليرة (أي أن الربح يتضاعف بمرة ونصف مرة أو ثلاث أو 5 مرات وكذلك الخسارة)، وأخيراً المراهنة نقداً بالدولار، أي أن تدفع دولاراً وتقبض دولاراً.

يضطر الكازينو لإغلاق أبوابه قبل إدخال أيّ لاعبين جدد ريثما تخفّ الزحمة في القاعات

يرفض علي، وهو أحد المراهنين، اعتبار نفسه مقامراً. ما يقوم به «عمل يتطلب جهوداً بحثية واستقصائية ومتابعة صحافية دقيقة على مدار الساعة. فكل خبر ولو بسيط يمكن أن يشكل فرقاً. هناك حسابات دقيقة والمسألة مش طق حنك. أتحدّى إن كان أي صحافي رياضي يملك ربع ثقافتي الرياضية».
«لأن الخسائر تتوالى، لم يعد من قيمة لمعنى الخسارة»، تقول المعالجة النفسانية مارتين زغبي أبو زيد، إذ أن «اللبنانيين خسروا كل شيء: ودائعهم في المصارف، منازلهم وأقاربهم في انفجار المرفأ، الخسائر تتوالى وخسارة أموال إضافية بسبب القمار لم تعد تعني شيئاً». ناهيك بأنه مع «تدهور سعر الليرة أصبح المقامر يفكر أن الـ 100 ألف ليرة لم تعد تساوي شيئاً». أضف إلى ذلك، بحسب أبو زيد، «وجود دافع أساسي للعب يتمثّل باللهو والتسلية بسبب ضغوط كورونا والظروف الاقتصادية وانعكاساتها النفسيّة عليهم. هؤلاء ليس بالضرورة جميعاً يبحثون عن الربح المادي، بل عن إحساس بالفرح يولّده الربح ولو لمدة محدودة».


المقامرة تزيد في الأزمات الاقتصاديّة
بين عامَي 2010 و 2015، زاد عدد المقامرين في اليونان بنسبة 25% بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد. خلال هذه الفترة ارتفع عدد المقامرين وأسرهم ممن قصدوا مراكز علاج المدمنين، حتى بات عدد المدمنين من المقامرين يفوق عدد مدمني الكحول. ودفعت الظروف الاقتصادية أعداداً إضافية من الشباب للمقامرة فهبط متوسط عمر اللاعبين الذين يقامرون للمرة الأولى من 25 عاماً إلى 20 عاماً.
وفي تشرين الأول 2008، عصفت بأيسلندا أعمق أزمة مالية سُجلت في العصر الحديث عندما أفلست البنوك الثلاثة الكبرى في البلاد في أقل من أسبوعين. وبالتوازي سُجّلت قفزة كبيرة في أعداد المقامرين بلغت 10.7% بين عامَي 2007 و 2011.