جوزف الهاشم-جريدة الجمهورية
جائحةٌ جامحة، يُطلقون عليها إسمَ الحرب الكونية، وليس لها في سُلالةِ الحروب ذرِّيةٌ ونسْل: جنودُها أشباحٌ، والسلاحُ سيوفٌ مسحورةٌ وكواتمُ صوت.
لعلّ هذه «الكورونا» على مصائبها الفادحة قدْ حملَتْ بعض التعزية للإنسانية المعذّبة فحقّقت لها بالموت ما لم يتحقق في الحياة، وفرضَتِ العدالة والمساواة: بين الغنيّ والفقير، والقوي والضعيف، والكبير والصغير، والأكواخ والقصور، وبين بيـتٍ أسود وبيـتٍ أبيض… ولا ننسى أنّ الرئيس الأميركي إبراهام لنكولن، قتلَـهُ رجـلٌ أبيض لأنه حـرَّر الأبرياء السود.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتـين: كان قد استوحى من هذه الجائحة رسالةً ثائرةً إلى قادة العالم متسائلاً: «ما هي الخطّة الشريرة التي تخطّطون لها، وتحاولون عمداً الحـدَّ من عدد سكان هذا الكوكب على حساب الأبرياء…؟»
ويقابله الرئيس الأميركي دونالد ترامب برسالة فاضحة فيقول: «النظام العالمي الجديد تحكمه المصالح، ولا يوجد فيه مكانٌ للمقاييس الأخلاقية والأديان، وستكلّف ولادتُـه الكثير من الدماء…»
هكذا: وحربٍ جَّـرها سفهاءُ قـومٍ
فحـلَّ بغير جانيـهِ العقابُ.
أخطر كوارث هذه الحرب، هو ما تخلّفه بعدها: دولٌ مدمّـرة، شعوبٌ مهجّرة، أرواح مغدورة، عائلات مقهورة، إحتضارُ اقتصادٍ ومال، إنهيار أسواقٍ وإفلاس، فلتانٌ أمني وأخلاقي، مضاعفات صحية واجتماعية، وفقرٌ وإرهاب وجوع.
والمصيبة الأعظم، أنّ وَرثَـة هذه الحرب هُـمْ أقطاب الدول العظمى الذين سينقضّون كالكواسر في صراع السيطرة على ما تبقّى في هذه الأرض من مـالٍ وغلالٍ وعشبٍ وماء.
وهذه الدول العظمى مثْقـلَةٌ بالإرث التاريخي الدموي، وحكاية الديمقراطية عندها وحقوق الإنسان مادةٌ إستهلاكية لتخدير الشعوب المستضعفة.
روسيا: على مدى الأنظمة الماركسية تضرّجت حسب تقرير خروتشوف بإثنين وعشرين مليون ذبيحة قضوا جوعاً وتنكيلاً وقتلاً بلا محاكمة.
والصين: لا هي دولة ديمقراطية ولا عندها نبيّ سماوي يربطها بشرائع الله: في حروبها الأهلية بقيادة الجنرال تشانغ كاي تشيك سقط من أبنائها الملايـين قتلاً، وسقط مئة وعشرون مليون مُـدْمِنٍ في حرب الأفيون التي شنتها عليها بريطانيا سنة 1878.
وأميركا: ليست دولة حضارية ولا تفهم المعنى الحضاري التاريخي خاضت هي الأخرى حروباً دموية أهلية 1861 خسرت فيها من جنودها أكثر مما خسرته في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
وأبرز إنجازاتها الإنسانية تلك الملحمة الكونية التي إسمها «هيروشيما وناكازاكي» ولا يزال علماء النفس يحارون في تصوير شعور ذلك الطيار الأميركي الذي بكبسة إصبع على زناد أودى بحياة الملايين من البشر..
يقول خبراء مراكز الأبحاث إنَّ المنافسة الإقتصادية والتقنية الشرسة بين الدول الكبرى ولا سيما بين أميركا والصين ستؤول إلى مواجهات صاخبة بهدف السيطرة واقتسام غنائم العالم ، هكذا كانت مسبـبّات الحرب العالمية الأولى والثانية، والحرب على ما يقول مانشيوس أحد حكماء الصين: «هي العمل على أن تتغذَّى الأرض بلحوم البشر».
فهلْ هكذا سيكون النظام العالمي الجديد الذي يبشّرنا بـه الرئيس الأميركي ترامب نظاماً مجنوناً يقمع الشعوب المستضعفة ويجعل غنائم الأرض والبشر طعاماً لنار الجشع والتفوق العسكري والإقتصادي.؟
ونحن، بخلاف سائر أُمـم الأرض، لا ندري ما ستكون عليه حالنا في لبنان مع مجموعة شرسة من الجائحات، ومجموعة شرهة من الزعامات إلاّ أن نرفع الصلاة باسم الله الرحمن الرحيم، وأبينا الذي في السماوات.