تحت عنوان قراءة في المشهد السياسي: الحريري ترك ″عصفور″ ميقاتي.. وإختار العشرة على الشجرة!، كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: قطع الرئيس سعد الحريري يوم أمس الشك باليقين، فأكد أنه مرشح طبيعي لرئاسة الحكومة وأنه راغب بها، مقدما أوراق إعتماده التي ستحتاج الى دراسة متأنية جدا من سائر المعنيين بالتكليف والتأليف قبل أن يعلنوا موافقتهم عليها أو رفضهم لها.
تربط مصادر سياسية مطلعة بين الدعوة المفاجأة للاستشارات النيابية الملزمة من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون وبين إطلالة الرئيس الحريري التلفزيونية وإعلان ترشحه لرئاسة الحكومة وفق شروط معينة سقفها بنود الورقة الاصلاحية التي تم التوافق عليها في قصر الصنوبر، معربة عن إعتقادها بأن شيئا ما إيجابيا قد حصل أدى الى تسوية معينة لصالح الحريري بإنتظار أن يحظى بتأييد الكتل النيابية الأخرى.
وجاء إعلان الحريري بأنه سيقوم إعتبارا من اليوم بمروحة واسعة من الاتصالات للوصول الى قواسم مشتركة مع القوى السياسية الأساسية، لتؤكد إصراره على بلوغ السراي الحكومي، وإنطلاقه من أرضية صلبة يوفرها له لقاء رؤساء الحكومات السابقين الذين يشكلون حيوية سنية وطنية يتقدمها الرئيس نجيب ميقاتي الذي بادر الى ترشيح الحريري وفق مبادرته التي كانت على مدار الأيام العشرة الماضية الطبق الرئيسي على كل الطاولات السياسية.
وبغض النظر عن موقف الحريري من مبادرة ميقاتي فقد شكلت رافعة أساسية لولادة موقف داعم له يتمثل بغالبية الطائفة السنية في لبنان.
علما أن كثيرا من المتابعين وجدوا أن مبادرة ميقاتي كانت الأقرب الى التطبيق والى المنطق السياسي بعد المواقف التي عبرت عنها القوى السياسية وخصوصا الثنائي الشيعي، ويرى هؤلاء أن ميقاتي قدم “عصفورا باليد” الى الحريري والى الكتل النيابية، بينما أراد الحريري أن يلاحق أو يصطاد “العصافير العشرة على الشجرة”، ما يجعل مهمته محفوفة بمخاطر طرح الشروط والشروط المضادة وبالتالي الفشل.
لا يختلف إثنان على أن المبادرة الميقاتية كانت ترسم طريق الحل، وتحظى بموافقة ضمنية من أغلبية القوى السياسية، كونها تؤمن تمثيلها في الحكومة الى جانب الوزراء الاختصاصيين بما يحمي ظهر كل فريق سياسي، أما طرح الرئيس الحريري في تشكيل حكومة إختصاصيين وتغييب جبران باسيل عنها، فإنه قد يصطدم بأكثر من “فيتو” لأطراف حريصة على أن تتمثل سياسيا في الحكومة.
لذلك يخشى المتابعون أن يضطر الحريري في النهاية وفي حال لم تصل مشاوراته الى نتيجة إيجابية الى السير بمبادرة ميقاتي من تحت الطاولة أو طرحها ضمن ديكور مختلف.
وترى هذه المصادر أن الحريري أجاد في إطلالته التلفزيونية في إعلانه تحمل المسؤولية في جزء مما وصل إليه لبنان، وفي إضاءته على معاناة اللبنانيين، الأمر الذي كان يتطلب منه إختيار الطرح الأسهل وصولا الى الانقاذ السريع، وليس الدخول في متاهات جديدة من المشاورات والمطالب وطرح الصيغ الحكومية، لأن فشله هذه المرة في تشكيل الحكومة سيكون له تداعيات كارثية على البلد.
وتشير المعلومات الى أنه سيكون أمام الحريري أياما قليلة لبلورة صيغة حكومية تحاكي إتفاق قصر الصنوبر، فإذا نجح في ذلك تجري الاستشارات النيابية ويصار الى تسميته رئيسا مكلفا، أما في حال إصطدامه بالشروط والعراقيل التي باتت معروفة فإن الاستشارات قد تتأجل لمزيد من المشاورات وهذا يعني فشل المبادرة الفرنسية.
والى حين أن يبدأ الحريري مشاوراته، فإن جملة من التساؤلات تطرح نفسها لجهة: هل ستكون مواقف التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي والثنائي الشيعي إيجابية تجاه طروحات الحريري؟ وهل أعطى حزب الله ضوءا أخضر للتكليف والتأليف؟، وإذا كان الأمر كذلك، فماذا تغير أو تبدل عن مرحلة الدكتور مصطفى أديب؟، أم أن التسوية التي ربما حصلت من شأنها أن تضغط عليهم كما دفعت الرئيس عون الى الافراج عن الاستشارات النيابية الملزمة؟، وهل هذه التسوية منحت الحريري الرضى الأميركي والسعودي؟، أم أن هناك إحياء للمبادرة الفرنسية بقالب جديد بشكل يرضي أميركا والسعودية؟.
لا شك في أن إعلان الحريري عن إستعداده لاجراء إتصالات في الأيام المقبلة لمعرفة إلتزام القوى السياسية بالمبادرة الفرنسية له تفسيران، فإما أن يكون قد فوّض نفسه عن الفرنسيين لمتابعة مبادرتهم، أو أنه يريد إجراء الاتصالات بحثا عن تسوية معينة، خصوصا أن الحريري بالرغم من محاولته الظهور بمظهر الواثق بنفسه، إلا أن كثيرا من الاسئلة التي طرحت عليه أربكته، ما يؤكد أن موافقة القوى السياسية الأساسية على طرحه الحكومي غير محسومة وربما عليه أن يبذل مجهودا كبيرا جدا أو أن يقدم تنازلات مغلفة بلهجة “عنترية” للوصول الى مبتغاه بالسير على السجادة الحمراء عند بوابة السراي الحكومي.
المصدر: سفير الشمال