الوقت- عقدت بعض الشخصيات الاجتماعية وشيوخ القبائل في أرخبيل سقطرى في اليمن، يوم الأحد الماضي، اجتماعا دعوا فيه إلى ضرورة خروج القوات الأجنبية من الجزيرة ويعد هذا ثاني احتجاج لأهالي الجزيرة في السنوات الأخيرة على وجود القوات الأجنبية في جزيرتهم. ووفقاً للعديد من التقارير الأخبارية، فقد قال المجتمعون، إن هؤلاء المسلحين تسببوا في توترات واستفزازات لأبناء الأرخبيل، كما أكدوا ضرورة عودة المسلحين إلى مناطقهم، وإلغاء نقاط التفتيش المستحدثة على الطرق، وتسليم النقاط الثابتة إلى جنود من أبناء سقطرى. واستنكر المجتمعون ما وصفوه بإرهاب المسلحين تجاه فعاليات ووقفات احتجاجية بعد حوادث إطلاق مسلحي المجلس الانتقالي النار على متظاهرين، في الأيام الماضية.
دومينو الاحتجاجات في سقطرى
يضم أرخبيل سقطرى، الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 50 ألف نسمة ومساحته 3625 كيلومترًا مربعًا، العديد من الجزر المرجانية والتي منها “سقطرى” و”عبد الكوري” و”درسه” و”سهمة” والعديد من الجزر الصغيرة. ونظرًا لموقعها الاستراتيجي الخاص، كانت هذه الجزيرة دائمًا موضع اهتمام الدول المجاورة، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. ولقد احتلت الإمارات مرارًا أجزاء مهمة من هذه الجزيرة ونشرت عتادًا عسكريًا فيها خلال الحرب الأهلية اليمنية، بدعم من محافظ عدن الواقعة جنوب اليمن المعزول “عيدروس الزبيدي”. ويحتج معظم سكان الجزيرة الآن على الوجود العسكري والسياسي الإماراتي والسياسات السعودية في إبرام العديد من الصفقات والمؤامرات العسكرية مستغلين هذه الجزيرة.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية، أن الرفض الشعبي في مدن الجنوب لتطبيع الإمارات مع إسرائيل وتواجد الإحتلال الإماراتي وانشاء قواعد عسكرية اسرائيلية في الجزيرة أدى إلى تحريك المياه الراكدة بعد أن استولى المجلس الإنتقالي على الجزيرة وانقلب على الشرعية. وعلى إثر ذلك، خرجت المظاهرات الحاشدة في المحافظات الجنوبية ومديرياتها رفضاً للتواجد الإسرائيلي في جزيرة سقطرى واستنكاراً للتطبيع مع الكيان الصهيوني ونصرة للقضية الفلسطينية، وأحرقت المسيرات الجنوبية في عدن وأبين ولحج وحضرموت وكافة مدن الجنوب العلم الإسرائيلي ورددت شعارات رافضة للتطبيع وداعمة للقضية الفلسطينية.
إلى ذلك، عم غضب التطبيع الإماراتي مع إسرائيل وتواجد أتباع الإمارات في الجزيرة، كافة مناطق سقطرى مما أثمر عن تحركات خارجية سياسية ودبلوماسية وغليان شعبي واجتماعي في مناطق الجزيرة تهدف إلى طرد المحتل الإماراتي من الجزيرة. حيث مارست قوات الإمارات والمجلس الإنتقالي خلال تواجدها في جزيرة سقطرى إنتهاكات ضد سكان الجزيرة وفتحت سجون سرية لمعارضي سياساتها الإحتلالية بغرض تكميم الأفواه، الأمر الذي دفع بمحامين وعددهم 21 محامي لرفع دعوى قضائية ضد حكومة الرئيس المستقيل “عبد ربه منصور هادي” القابعة في فنادق الرياض لغياب دورها تجاه ما يحدث في محافظة سقطرى. ورفع محافظ أرخبيل سقطرى، “رمزي محروس”، رسالة إلى الرئيس المستقيل “منصور هادي”، كشف فيها سلسلة من الانتهاكات والممارسات التي تقوم بها الإمارات ومليشياتها في المحافظة منذ الإنقلاب المسلح الذي قاده الانتقالي الجنوبي في يونيو الماضي.
الجدير بالذكر، أنه بعد عامين من غزو تحالف العدوان السعودي الإماراتي لليمن، كشفت الإمارات النقاب عن سياستها الحقيقية الخبيثة في حرب اليمن، وأصبحت جزيرة سقطرى أحد المراكز الرئيسية للقوات الموالية لأبو ظبي. ومنذ ذلك الحين، ازدادت احتجاجات أهل هذه الجزيرة وفي عام 2019، اندلعت واحدة من أكبر الاحتجاجات المنددة لأبناء هذه الجزيرة، بقيادة “عبد الله بن عيسى آل عفرار”، رئيس المجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى في اليمن، ضد تواجد الإمارات والسعودية في جزيرة “سقطرى”. وبعد الكشف عن علاقاتها مع الكيان الصهيوني، تعتزم الإمارات إقامة قاعدة عسكرية لهذا الكيان الغاصب في جزيرة سقطرى ولقد تسبب الكشف عن هذه القضية في نشوب جولة جديدة من الاحتجاجات من قبل أهالي الجزيرة ضد وجود القوات الأجنبية.
وفي الشهر الماضي، انضمت نساء من الجزيرة ومدينة زنجبار إلى الجماهير الغفيرة المحتجة الأخرى وهذه المرة، أطلقت القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذخيرة الحية على المتظاهرين لقمع الاحتجاجات. إن وجود الأجانب والغموض الذي يكتنف مصير جزيرة سقطرى، جعل أهالي هذه المنطقة قلقين أكثر فأكثر، ولكن الأعمال القمعية التي قامت بها قوات المجلس الانتقالي الموالي لـ”آل نهيان” لم تُسكِت الاحتجاجات. ولقد وصف أهالي سقطرى، خلال الاحتجاجات الأخيرة، هجوم قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على المتظاهرين بأنه عمل إرهابي، كما طالبوا بانسحاب القوات الأجنبية من الجزيرة. وقال “أحمد سالم بن كليمس” رئيس مركز “قعره” الواقعة جنوب سقطرى، إن “أهالي سقطرى لا يقبلون دخول قوات تابعة لأي مجموعات أو أطياف إلى الجزيرة. الجميع سيقفون متحدين ضدهم وسيحمون بنادقهم ضد هذه القوات الغازية وسيطلبون منهم مغادرة الجزيرة”.
الأهمية الاستراتيجية لجزيرة سقطرى
نظرًا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي، كانت جزيرة سقطرى عبر التاريخ محل أنظار القوى الاستعمارية مثل البرتغال وبريطانيا وفرنسا. وكانت محافظتي سقطرى والمهرة يحكمها في السابق حاكم ثم بعد توحيد اليمن حكمت عدن إدارياً هذه الجزيرة التي كان لها مكانة خاصة عند الجنوبيين. وهنا تجدر الأشارة إلى أن الإمارات العربية المتحدة تسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية على الأقل في جنوب اليمن تجعل الجزيرة مركز لسياسة أبو ظبي الخارجية:
1. على مدى العقد الماضي، وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة السياسة الخارجية العدوانية على جدول أعمالها لتوسيع نفوذها في المنطقة والقرن الأفريقي. ولتحقيق هذا الهدف، صار من الضروري على الإمارات أن تسيطر على خليج عدن، لأنه من خلال عدن يمكن أن تصل إلى مضيق “باب المندب” وشمال إفريقيا، وفي الوقت نفسه، فإن أرخبيل سقطرى له دور لوجستي وعسكري للإمارات، وذلك لأنه جسر إلى عدن ثم مضيق “باب المندب”.
2. وفي البعد الاقتصادي، تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى التسلل إلى جنوب اليمن من أجل التجارة مع أوروبا وتجاوز مضيق “هرمز”، وكذلك المنافسة الاقتصادية مع السعودية ومنع موانئها التجارية من الانهيار من خلال استغلال موانئ عدن.
3. ومن الناحية الأيديولوجية والسياسية، تنظر دولة الإمارات العربية المتحدة لحزب الاصلاح اليمني ذو الميول الإخوانية والحراك الجنوبي الانفصالي كأداتين لتحقيق أهدافها ومصالحها الخبيثة في اليمن ومن جهة أخرى تقوم أبو ظبي بالاستثمار طويل الأمد على الرئيس المستقيل “منصور هادي” وذلك لاستخدامه كلعبة على التراب السعودي، لتنظيم وتعزيز قوى المجلس الانتقالي في جزيرة سقطرى، وتحقيق توازن ضد منافسيها. لقد فتحت هذه السياسة الباب أمام الكيان الصهيوني في المنطقة، الأمر الذي أدى إلى تعّقد المعادلات أكثر في جنوب اليمن.
من جهة أخرى، تسعى السعودية للتأثير على محافظة المهرة لتعويض ضعفها في سقطرى، الأمر الذي فتح الباب لسلطنة عُمان كخامس لاعب في تطورات جنوب اليمن، لأن الوجود الاستفزازي للسعودية في المهرة يهدد أمن الحدود الجنوبية لسلطنة عمان، ومن ناحية أخرى، فإن وجود الكيان الصهيوني سيساعد على تصعيد هذه التوترات. وفي غضون ذلك، يعتقد سكان هذه الجزيرة أن السبيل الوحيد لإحلال السلام في جزيرتهم هو انسحاب جميع القوات الأجنبية من هذه الجزيرة. وبالنظر إلى المنافسة الشرسة في جنوب اليمن وحضور القوات الموالية للإمارات العربية المتحدة في هذه الجزيرة، فإن احتمالات الهدوء والاستقرار في أرخبيل سقطرى بعيدة كل البعد عن المتوقع.