طارق ترشيشي- جريدة الجمهورية
لم يكن احد المسؤولين الكبار مخطئاً في القول، قبيل ايام من اعتذار الدكتور مصطفى اديب، انّ نادي رؤساء الحكومات السابقين، يهدف من تصعيد شروطه لتأليف الحكومة العتيدة، الى دفع الرجل الى الاعتذار، لتمهيد الساحة امام عودة الرئيس سعد الحريري الى السرايا الحكومية.
وعلى رغم من الانقسام الذي حصل في هذا النادي، إثر مبادرة الحريري في شأن تولّي الطائفة الشيعية وزارة المال «لمرة واحدة واخيرة»، في الحكومة التي كان أديب سيؤلفها، فإنّ اقتراح الرئيس نجيب ميقاتي بعد اعتذار الاخير تشكيل حكومة «تكنوسياسية» من 20 وزيراً برئاسة الحريري، صبّ، عن قصد او غير قصد، في مصلحة الدفع الى عودة الاخير الى رئاسة الحكومة.
ربما كان ميقاتي يعتقد أنّ اقتراحه إذا قُبِل به، قد يأتي لمصلحته، لاقتناعه بأنّ المناخ الخليجي والغربي السائد كان وما زال غير مساعد في عودة الحريري، فضلاً عن انعدام الفرص امام عودة اي من الرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام، كلٌ للأسباب الخاصة والعامة التي تحوط بوضعه، وفي هذه الحال تصبح الطريق الى السرايا الحكومية مفتوحة امامه، خصوصاً وانّ نادي رؤساء الحكومة السابقين حاول ويحاول، بعد استقالة حكومة الدكتور حسان دياب واعتذار اديب، اشاعة انطباع وتوليد اقتناع لدى الرأي العام، مفاده، انّ تجربة الإتيان برئيس حكومة من خارج ناديهم قد فشلت، وانّ الحل هو بالعودة الى هذا النادي حصرياً، على رغم ما في البيئة التي ينتمي اليها من شخصيات نيابية سياسية او تكنوسياسية، في امكانها ان تتولّى رئاسة الحكومة، اذا كان متعذراً في هذه المرحلة او في اي مرحلة أخرى، وصول الحريري او اي من أعضاء هذا النادي الرباعي، الذي بدأ يعطي لنفسه صلاحية تسمية رؤساء الحكومات، خلافاً للاصول الدستورية المرعية الاجراء، مهمّشاً آراء ووجود آخرين في الطائفة السنّية لهم حضورهم وادوارهم بفعل الارادة الشعبية التي انتخبتهم.
لكن يبدو انّ دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون هذه المرة الى الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة، والتي جاءت بعد اكثر من اسبوعين على اعتذار اديب، تستند الى معطيات تدلّ الى حصول تبدّل في بعض المواقف الاقليمية والدولية، لمصلحة عودة الحريري الى رئاسة الحكومة، ولو لم تكن هذه المعطيات متينة، لما بادر عون الى هذه الاستشارات، خصوصاً وأنّ كل ما كان تجمّع في الأفق، منذ اعتذار اديب وما سبقه ورافقه من مواقف خارجية، ولا سيما منها السعودية والاميركية، اوحى أنّ الاستحقاق الحكومي اللبناني دخل في جمود، ربما يستمر الى ما بعد الاستحقاق الرئاسي الاميركي في 3 تشرين الثاني المقبل.
وبغض النظر عن موقف الحريري تأييداً او رفضاً لاقتراح ميقاتي تأليف حكومة تكنوسياسية، والذي كرّره امس، مرشحاً ايّاه لرئاستها، فإنّ قطباً سياسياً قدّم بعض المعطيات التي يستند اليها بعض المرجعيات والأفرقاء السياسيين، في تأييد عودة الحريري الى السرايا الحكومية ومنها:
– أولاً، انّ عودة الحريري الى رئاسة الحكومة من شأنها ان تفتح الباب امام لبنان للحصول على المساعدات الاوروبية، من بوابة تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر»، الذي ترعاه فرنسا صاحبة المبادرة الشهيرة التي أطلقها الرئيس ايمانويل ماكرون لحل الازمة اللبنانية غداة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي.
– ثانياً، انّ عودة الحريري الى السرايا الحكومية تعيد التوازن الى التمثيل السنّي في هرم السلطة وعلى المستويين السياسي والشعبي، في اعتبار انّ الرجل يحظى بتأييد اكثرية البيئة التي ينتمي اليها.
– ثالثاً، انّ تولّي الحريري رئاسة الحكومة يمنع ذهاب البلاد الى خيار «حكومة اللون الواحد»، الذي ثبت أنّه ليس في مصلحة البلاد، خصوصاً في ظلّ الانهيار السياسي والمالي والاقتصادي الذي تعيشه، ويتطلب ان تتصدّى له حكومة فاعلة تشارك فيها كل المكونات السياسية والطائفية، وتتحمّل مسؤولية انقاذ البلاد مما هي فيه.
فهل سيقبل الحريري العودة الى السرايا الحكومية هذه المرة مدعوماً بـ«لبن العصفور» مضافاً اليه الدعم السعودي والاميركي؟ وفي حال قبوله التكليف، اي حكومة سيشكّل؟ حكومة الاختصاصيين، التي لطالما طالب بتأليفها برئاسته او برئاسة غيره؟ ام الحكومة التكنوسياسية التي اقترحها ميقاتي زميله في نادي رؤساء الحكومة السابقين، الذي أوصل اديب الى الاعتذار؟ الاجابة عن هذه الاسئلة ربما تظهر على لسان الحريري في اطلالته التلفزيونية المقرّرة اليوم، والتي يبدو انّها اطلالة جاءت في وقتها، وعلى مسافة ايام من موعد استشارات التكليف الخميس المقبل، اي بعد اسبوع بالتمام والكمال.
لكن، بعض المجتهدين في ورشة الاستحقاق الحكومي، يعتقدون انّ الحريري اذا قبل التكليف، او بقي في موقع المسمّي الذي يمنحه ايّاه الثنائي الشيعي وآخرون، لا بدّ ان يأخذ في الاعتبار كل الاسباب التي ادّت الى اعتذار اديب، والتي كان نادي رؤساء الحكومة بعض صانعيها. كذلك لا بدّ له من ان يأخذ بالاسباب التي ادّت الى فشل حكومة الرئيس حسان دياب، ليبني في بناء الحكومة الجديدة على الشيء مقتضاه تشكيلاً وتوزيراً. لأنّ المناخات الجديدة السائدة منذ اعتذار اديب، تشي بأنّ الحكومة العتيدة لا بدّ ان تكون لها مسحة سياسية، لن تتعارض مع المبادرة الفرنسية، التي لم تدخل اصلاً في تفاصيل صلب التكوين الحكومي المزمع، وانما البعض هو من أدخلها فيه، الامر الذي كاد ان يحبطها، لولا مسارعة ماكرون الى الإدلاء ببعض التوضيحات التي ابقتها حيةً، وتوفر الزخم المطلوب لاستلاد الحكومة العتيدة، التي سيكون بيانها الوزاري الاصلاحات التي يُطالب بها داخلياً ودولياً سبيلاً لمساعدة لبنان على الخروج من ازمته المالية والاقتصادية.