رفيق خوري -أندبندنت
أميركا في ورطة داخلية، فوق ما هي متورطة في الخارج ومورِّطة سواها. بعض ما في الورطة أن يطغى العنف في الشارع على حركة “حياة السود مهمة” التي تعيد قراءة التاريخ لتصحيح اللاعدالة العنصرية، وأن تقوى مقابل العنف منظمات تؤمن وتقاتل من أجل “تفوق العرق الأبيض”.
وبعضها الآخر أن تصبح الانتخابات الرئاسية مشكلة معقدة تربك مؤسسات النظام الديمقراطي، وتؤدي إلى خطر صدام في الشارع بين أنصار المرشحين الجمهوري والديمقراطي. ولا مرة منذ الاستقلال كان الانقسام السياسي حاداً وعميقاً إلى هذه الدرجة التي نراها اليوم، بحيث تبدو أميركا كأنها “أميركتان”.
ولا مرة كان في البيت الأبيض رئيس يقول سلفاً إن الانتخابات الرئاسية ستكون مزوّرة إن لم ينجح، ويرفض أن يلتزم قبول نتائجها. ولا مرة كانت هناك مشكلة عويصة في انتقال السلطة من رئيس إلى آخر يوم 20 كانون الثاني 2021 بعد الانتخابات في تشرين الثاني المقبل.
ولا مرة كانت النخبة الأميركية مشغولة بالتفكير في جواب عملي عن سؤال غير عادي: من يتولى إخراج الرئيس دونالد ترمب من البيت الأبيض إذا فاز منافسه الديمقراطي جو بايدن؟ القوات المسلحة؟ جواب القادة الكبار في وزارة الدفاع هو: “كلا، هذا ليس دور القوات المسلحة”.
الماريشالات الاتحاديون؟ ربما. والعقدة الإضافية هي تأثير إصابة ترمب بالكورونا في المعركة الانتخابية، بعدما كان يستخف بالوباء ويهزأ من بايدن الذي يرتدي “أكبر كمامة”، ويصر على التجمعات الانتخابية من دون قواعد الابتعاد الاجتماعي. حتى في عزّ الخلاف بين الجمهورين والاتحاديين في مراحل الاستقلال الأولى، فإن الكونغرس استمر في عملية التصويت الى أن فاز توماس جيفرسون الذي قال أمام الكونغرس: “كل خلاف في الرأي ليس خلافاً على المبادئ. نحن ندعى بأسماء مختلفة، لكننا أخوة في المبدأ نفسه. كلنا جمهوريون. كلنا اتحاديون”. أما أميركا الأكاديمية والتكنولوجية والعسكرية والاقتصادية، فإنها على قمة العالم.
ذلك أن ترمب يمارس، وهو على رأس السلطة، ما يقوله عن تزوير الانتخابات المعارضون المرشحون لمنافسة رؤساء في أنظمة سلطوية مثل روسيا وبيلاروسيا وتركيا وسواها. وهذا تكتيك يمارسه حتى مع الإعلام.
ويروي ميتشيكو كوتاني في كتاب “موت الحقيقة: ملاحظات عن الكذب في عصر ترمب”، أن صحافياً سأل ترمب “لماذا تستمر في الهجوم على الصحافة والقول إنها عدو الشعب وأخبارها ملفقة؟ ” فأجاب “أريد أن أنزع صدقيتهم جميعاً، بحيث لا أحد يصدقهم عندما يكتبون قصة سلبية عني”.
وهو، كما نقل عنه بوب ودوارد في كتاب “خوف” يؤمن بأن “الخوف أقوى سلاح”. ويبدو في كتاب ودوارد الجديد “غضب” خائفاً، بحيث قال في نهاية الأحاديث “سوف تؤذيني بطبيعة الأمور”.
ثم أن ترمب يعرف القاعدة التي مختصرها: كل رئيس يطلب ولاية ثانية يحتاج إلى ثلاثة أسلحة: “سياسة خارجية قوية، اقتصاد قوي، وخصم ضعيف”.
والواقع أن كورونا سحب من يد ترمب ورقة الاقتصاد. و”لا أحد، وفي الطليعة ترمب، يستطيع أن يقول بثقة وإيمان ما هي سياسة أميركا الخارجية حالياً”. كما يقول الكولونيل ألكسندر فينيدمان الذي خدم في مجلس الأمن القومي أيام ترمب وجون غانز الذي عمل في وزارة الدفاع وأصدر كتاباً عن إدارة سياسة الأمن القومي، من أيام ترومان إلى أيام ترمب. وبايدن يتقدم في الاستطلاعات.
وهكذا بدت المناظرة الأولى بين ترمب وبايدن “كارثة وعاراً وطنياً” كما نقلت “نيويورك تايمز” عن سياسيين وخبراء وأكاديميين.
كان تكتيك ترمب هو تحقير بايدن وإظهاره ضعيفاً. لم يقدم أجوبة جدية عن أسئلة مدير النقاش كريس والاس من فوكس نيوز، بحيث اضطر والاس للقول “آمل في أن تسمح لي بأن أسأل سؤالي”. ولا ترك بايدن يكمل جملة واحدة من دون مقاطعة، بحيث قال له “هل تسكت يا رجل؟”، ملايين المشاهدين لم يسمعوا ما أرادو سماعه عن القضايا الأساسية والسياسات التي تهمهم.
والمراقبون الذين خانهم انحدار المستوى في التخاطب بين المرشحين سجلوا 741 كذبة لترمب. لكن دان كوتس المدير السابق للأمن الوطني يقول إنه بالنسبة إلى ترمب “الكذبة ليست كذبة، إنها تماماً ما يفكر فيه. وهو لا يعرف الفارق بين الحقيقة والكذبة”.
والسؤال هو: أي أميركا تصبح في الميزان إن دخلت في محنة ديمقراطية عبر التشكيك في نظامها الانتخابي؟ ما معنى أن تفكر النخبة في بلد بناه المهاجرون في الهجرة إلى كندا وسواها؟ الجواب البسيط هو أن أميركا تستحق رئيساً من نوع جيفرسون ولينكولن لكن سيطرة المال على الانتخابات لم تترك لها سوى رئيس من نوع ترمب وبايدن.
ويقول الخبير الجمهوري في الانتخابات كارل روف “انتقلنا من طلب أصحاب الخبرة والكفاية إلى طلب الذين يرمون القنابل ويفجّرون الأشياء”.
وفي كتاب “سخط الديمقراطية” يرى مايكل ساندل من هارفارد “أن الديمقراطية اليوم ليست ممكنة من دون السيطرة على قوى الاقتصاد الكوني، لأنه ليس المهم لمن يصوت الناس، فالشركات الضخمة هي التي تحكم”.
المصدر: اندبندنت