مستشفيات لبنان إلى الكارثة: حان وقت الهلع الكوروني
تلاحق لعنة الدولار يوميات اللبنانيين وها هي اليوم تضربهم في صميم صحتهم، التي لم تكن يوماً في منأى عن جرعات الفساد والهدر والتجاذب السياسي الزائدة. ويأتي الدولار اليوم ليطلق عليها رصاصة الرحمة في “ألعن” الظروف الصحية والاقتصادية والسياسية التي تمرّ بها البلاد. فقريباً سيكون المواطن إما محروماً من حقّه في الاستشفاء “وإن كان على حسابه”، في حال أصبح دولار المستشفيات بـ 3950 ليرة، وإما سيجد نفسه مضطراً للعودة إلى الطبابة الذاتية، حتّى في الحالات الحرجة جداً، بما فيها الإصابة بفيروس كورونا، في حال استمرّت المستشفيات في :حَرَدها” وأصرّت على عدم استقبال مرضى كوفيد-19 إلا في حال رفع التعرفة الرسمية، أو حصولها على باقي مستحقّاتها من الدولة اللبنانية.
وأمس أوضح المكتب الإعلامي في وزارة المالية أنّ “الوزارة دفعت خلال العام 2020 لغاية تاريخه مبلغ 213 مليار و47 مليون ليرة لبنانية، كمستحقّات للمستشفيات الخاصة والحكومية، مؤكّدة أنّه “ليس لدى الوزارة أي مستحقّات إضافية للدفع حالياً”. ما يفاقم الأزمة ويقطع الطريق على احتمال تحويل المستحقّات للمستشفيات إلى حين “ورودها من الجهات المعنية” على حدّ تعبير بيان وزارة المالية.
لكنّ قرار مستشفى الجامعة الأميركية برفع التعرفة في “المركز الطبي”، قد فتح أبواب جهنّم على الدولة المفلسة والمواطن المنهوب. وكان هذا “أوّل الغيث” الذي أشعل فتيل الحَرد “المستعصي” لدى المستشفيات الخاصة التي أعلنت أنها لم تعد قادرة على الاستمرار بمتابعة العمل بهذه التسعيرة (1515 للدولار)، رافعةً البطاقة الحمراء بوجه الوافدين من مصابي كورونا، بعد امتلاء الأسرّة في المستشفيات الحكومية وقلّة قليلة من المستشفيات الخاصة التي تستقبل مرضى كورونا، وكلّ ذلك بحجة الفارق في سعر صرف الدولار.
رئيس جمعية شركات التأمين في لبنان إيلي طربيه أكّد أن “لا تغيير في الاتفاقيات والتعرفة المتفق عليها بين الشركات والمستشفيات، التي أغلبها بالدولار الأميركي في المدى المنظور، ولم نتبلّغ شيئاً جديداً في هذا الخصوص”
المستشفى توضح أنّ “التسعيرة لم ترتفع على المواطن أو الجهات الضامنة ولا على القوى المسلّحة أو والضمان أو مرضى وزارة الصحّة، بل هذا يعود إلى الاتفاق بين المستشفى وبين شركات التأمين أو الزبون الذي لا جهة ضامنة له، ويدفع نقداً على حسابه”.
وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن قطع الطريق على المستشفيات، وكان واضحاً بأن لا رفع للتعرفة على الفاتورة الاستشفائية “ما دام الدولار الرسمي محدّداً من مصرف لبنان، والدعم مستمر”. لكن يبدو أنّ المستشفيات أغرتها “استراتيجية الجامعة الأميركية”، “ولن تهدّي البال” بالرغم من الظروف الحرجة.
يؤكد نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون أنّ أكثر من نصف المستشفيات اليوم قامت برفع التعرفة على المواطن الذي يدفع الفاتورة الاستشفائية عبر شركات التأمين، وذلك بالاتفاق مع هذه الشركات على دفع الفواتير للمستشفيات (جزء شيك دولار بين 35 و50% ، والجزء الآخر بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي 1515)، وهذا ما طُبّق في عدد كبير من المستشفيات. لكنّ بعض شركات التأمين ترفض ذلك وتصرّ على دفع الدولار على سعر 1515. والتفاوض جارٍ معها لتعديل التعرفة: “لكننا دقينا ناقوس الخطر، ونبّهناها إلى أنّها لا تستطيع الاستمرار في هذه السياسة، على الرغم من أنّ هذه الشركات تقبض بدل بوليصة التأمين بالدولار، وهي شركات تجارية ترفع السعر وتخفضه ولا علاقة لها بالضمان الاجتماعي”.
رئيس جمعية شركات التأمين في لبنان إيلي طربيه أكّد أن “لا تغيير في الاتفاقيات والتعرفة المتفق عليها بين الشركات والمستشفيات، التي أغلبها بالدولار الأميركي في المدى المنظور، ولم نتبلّغ شيئاً جديداً في هذا الخصوص”.
وفي ردّ على سؤال “أساس” عن تفاوت سعر فوترة الدولار بين شركة وأخرى وبين المستشفيات، يعيد طربيه السبب إلى نسبة الدفع بالدولار، التي تختلف بين شركة وأخرى بموجب الشيكات التي تحكمها طبيعة الاتفاق بين المستشفيات وشركات التأمين وحجم عمل شركات التأمين لدى تلك المستشفيات. وينفي أن يكون هناك أيّ تغيير في هذه الاتفاقيات، من دون أن يجزم بأنّ هذا الحال لن يتغيّر قريباً: “ليس قبل انتهاء مدّة الاتفاقيات، التي تختلف بين شركة وأخرى، وعلى أقلّ تقدير ليس قبل نهاية العام الحالي، وبالتوافق مع فريقي العقد”.
وعن المساعدات التي حصلت عليها مستشفيات بيروت عقب انفجار 4 آب في المرفأ، يؤكد هارون أنّها “تكاد لا تعوّض على المستشفيات التي استقبلت 7000 جريح عقب الانفجار، واستهلكت خلال 8 ساعات مخزون شهرين”
أما بالنسبة إلى المؤسسات الضامنة الرسمية، من الضمان الاجتماعي إلى ووزارة الصحة وعناصر القوى المسلّحة وتعاونية موظفي الدولة، “فلا يمكن المستشفيات أن ترفع التعرفة من طرف واحد فقط، والقرار الصادر عن الجامعة الأميركية لا يشملهم”. لكنّ المفاوضات مع هذه المؤسسات الرسمية أيضاً صارت قيد البحث، بحسب النقيب هارون، لكنها مكانك راوح “لأنّ الجواب الدائم أنّ الدولة ليس لديها المال، لكن المستشفيات لا يمكنها الاستمرار على هذه الحال… ولا حلّ. إذاً نحن متجهون إلى الخراب”.
وتوضيحاً لمعنى “الخراب”، وما إن كان يعني إقفال أبواب المستشفيات، يجيب هارون: “لم نقفل أبوابنا بعد، لكن سنصل إلى الإفلاس حتماً، فلا يمكن المستشفيات أن تتحمّل كلّ هذه الخسارة في ظلّ الظروف الصحية الصعبة، ولا يمكنها الاستمرار في دفع الدولار على سعر 8500 ليرة والفوترة على سعر 1515”. وعن المساعدات التي حصلت عليها مستشفيات بيروت عقب انفجار 4 آب في المرفأ، يؤكد هارون أنّها “تكاد لا تعوّض على المستشفيات التي استقبلت 7000 جريح عقب الانفجار، واستهلكت خلال 8 ساعات مخزون شهرين”. ويختم هارون حديثه بالتشاؤم المطلق، ويؤكد أن لا حلول بالأفق، بل “كارثة صحية” يحذّر من وقوعها في القريب العاجل.
صعوبة الوضع أقفلت باب الوزارة المعنية عن التصريح لوسائل الإعلام أيضاً. فقد علم “أساس” أنّ وزير الصحة ليس لديه رغبة في التحدّث حول الموضوع على اعتبار أنّ المفاوضات لم تصل إلى مكان بعد. وتؤكد مصادر وزارة الصحة لـ”أساس” أنّ الوضع مخيف فعلياً، ولا شيء يدعو للطمأنينة مع استمرار أزمة الدولار: “نحن ننتظر معجزة”. وكلّ ما يمكن الحديث عنه هو ترشيد الإنفاق والاتجاه نحو الدواء الأرخص ثمناً مثل الهندي أو الإيراني لتأجيل الأزمة، وهو الترشيد الذي يمكن أن يطيل عمر الدعم من 3 إلى 6 أشهر، ويمدّد وقت البحث عن حلول أو معجزة.
يدعو عراجي المستشفيات إلى التروّي: “فأرباحهم كانت خيالية لمدة 40 سنة. يطوّلوا بالهم شهر شهرين. إنّه ليس الوقت المناسب للابتزاز”
التشاؤم نفسه يرصده “أساس” لدى رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي، الذي يؤكد بدوره أنّ الوضع الصحي “يدعو للهلع”، فالدولة غير قادرة على دفع مستحقّات المستشفيات التي توازي 1900 مليار ليرة، وترفض وزارة المالية تمرير المزيد من المستحقات بعد دفع 200 مليار ليرة منذ فترة ليست ببعيدة.
أما الكارثة الحقيقية فتكمن برأي عراجي في رفض مستشفيات خاصة استقبال مرضى كورونا بعد امتلاء المستشفيات الحكومية وبعض المستشفيات الخاصة التي تستقبل مرضى كوفيد 19 والتي لا يتجاوز عددها الـ7.
ولا ينفي عراجي احتمال أن تكون الضجة التي أثارتها المستشفيات حول رفع التعرفة بمثابة عملية ضغط لتحصيل مستحقّاتها، ويشدّد على أنّنا لا نملك ترف التأخير داعياً إلى الإسراع في تجهيز أسرّة جديدة لمرضى الكوفيد: “بعض الناس تتعالج في بيوتها اليوم ممن لديهم عوارضهم متوسطة، لكن من لديه العوارض المتوسطة قد تتحوّل حالته بشكل مفاجئ إلى شديدة، وسيحتاج عندها إلى العناية الفائقة، ما يعرّض حياة البعض للخطر”.
ويؤكد لـ”أساس” أنّه في الاجتماع الذي عُقد بين الوزير وبين المعنيين قبل 5 أيام “حاولنا الاتفاق مع المستشفيات على أن تستقبل مرضى كورونا وتُدفع لها مستحقّاتها كل شهر بشهره، من القرض الذي أخذناه من البنك الدولي بقيمة 39 مليون دولار، لكن حتّى الآن لا استجابة من أصحاب المستشفيات”.
ويدعو عراجي المستشفيات إلى التروّي: “فأرباحهم كانت خيالية لمدة 40 سنة. يطوّلوا بالهم شهر شهرين. إنّه ليس الوقت المناسب للابتزاز”. ويدعو المواطن ليكون طبيب نفسه “فالماسك نصف اللقاح”.
هكذا نقف والدولار من أمامنا والكورونا من ورائنا… والكارثة قاب قوسين أو أدنى من التحقّق، وقد لا ننجو هذه المرّة.