ملاك عقيل – أساس ميديا
“التوضيح” الصادر عن رئاسة الجمهورية في شأن رفض الرئيس ميشال عون توقيع مشاريع مراسيم إعفاء ثلاثة مديرين عامين من مهامهم يظهر جلّياً الانقسام حول هذه الخطوة الرئاسية المرتبطة بتداعيات انفجار مرفأ بيروت.
المديرون الثلاثة بدري ضاهر وحسن قريطم وعبد الحفيظ القيسي لا يزالون قيد التوقيف، ووضعهم بالتصرّف إجراء أشار اليه قرار مجلس الوزراء في العاشر من آب الماضي من خلال “وضع جميع موظفي الفئة الأولى، والذي تقرّر أو سيقرّر توقيفهم بتصرّف رئاسة مجلس الوزراء بعد إعفائهم من مهامهم”.
تمنّع رئيس الجمهورية عن التوقيع على المراسيم يصفه مصدر سياسي بارز بـ “الفضيحة الكبيرة”، مؤكداً أنّ “الرئيس عون أمضى جزءاً من ولايته محارِباً على جبهة إستعادة الصلاحيات الدستورية والآن هو يمعن في استباحتها!”.
في القصر الجمهوري تسليم بعدم جواز وضع عون توقيعه على مراسيم إعفاء مدير عام الجمارك بدري ضاهر ومدير المرفأ حسن قريطم ومدير عام النقل والاستثمار عبد الحفيظ القيسي، من مهامهم ووضعهم بالتصرّف. أما “فتوى” الرئاسة فكانت الآتية: “هيئة التشريع والاستشارات اعتبرت أنّ مشاريع المراسيم لم تتُّخذ في مجلس الوزراء ولم تُعرض عليه. وقرار المجلس مبدئي أو مرجعي، ولا يغني عن صدور مراسيم فردية واسمية. وعليه، فإن الرئيس لن يوقّع طالما لم تصدر عن المجلس قرارات اسمياً وفردياً”.
خطوة الرئاسة الأولى جاءت على قياس بدري ضاهر خصوصاً أنه ومنذ اللحظة الأولى التي دعي فيها إلى التحقيق تذرّع بوجوده في القصر الجمهوري بحيث أتى الأمر وكأنه نوع الاستقواء، فيما التحقيق مع ضاهر ممكن أن يقود إلى فتح ملفات كثيرين
والمراسيم الثلاثة التي أحيلت تباعاً إلى عون وقّعها دياب (بصفته رئيس حكومة تصريف أعمال)، بعدما وضع كلّ من وزير المال غازي وزني ووزير الأشغال ميشال نجار توقيعهما عليها. التوجّه المعلن في رئاسة الجمهورية لا يزيح عن وجوب “إقالة المديرين الثلاثة بقرار صادر بأسمائهم عن مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين بعدما عُيّنوا بقرار من مجلس الوزراء بالأكثرية نفسها”.
عملياً، بدأ الخلاف حول هذا الموضوع منذ ورود عبارة في مقرّرات مجلس الوزراء في 5 آب التي أعقبت انفجار المرفأ تشير في الفقرة السادسة فيها إلى “تشكيل لجنة تحقيق إدارية تكون مهمتها إدارة التحقيق في الأسباب التي أدّت إلى وقوع الكارثة ورفع تقرير بالنتيجة إلى مجلس الوزراء خلال مهلة أقصاها خمسة أيام”. وبأن هذا الإجراء، وفق القرار، “لا يحول دون أن يتخذ مجلس الوزراء بحق المتورّطين ما يراه مناسباً من تدابير أو إجراءات”. هنا، كان من الواضح توجّه مجلس الوزراء إلى اتخاذ إجراءات إدارية بحق من يتمّ توقيفه في الملف.
وبالفعل في 10 آب، وفي الجلسة الوزارية التي تلاها تقديم دياب استقالته من الحكومة، اتخذت عدّة مقرّرات منها قرار بإعفاء من يجري توقيفهم في الملف من مهامهم ووضعهم بالتصرّف. هذا البند أدّى إلى سجال داخل مجلس الوزراء الذي انعقد في السراي الحكومي، بعدما كان مقرّراً عقده في بعبدا، وشهدت تأكيداً من مدير عام رئاسة الجمهورية على أنّ رئيس الجمهورية يعترض على هذا البند وهو غير موافق عليه. فما كان من دياب إلا أن أكّد “أننا تبلّغنا موقف فخامته، واليوم الجلسة عقدت في السراي ومجلس الوزراء صوّت على الأمر. وحين تكون الجلسة برئاسة فخامة الرئيس يستطيع أن يعطي رأيه ويعترض”.
وفيما بدا ردّاً مباشراً على القرار المتّخذ، توقّف عدّاد الصفحة الرسمية لرئاسة مجلس الوزراء عند جلسة الخامس من آب التي اتخذ فيها قرار “إعلان حالة الطوارئ في بيروت، وفرض الإقامة الجبرية على كلّ من أدار شؤون تخزين نيترات الأمونيوم وحراستها، ومحّص ملفها أياُ كان منذ حزيران 2014 حتى تاريخ الانفجار”، من دون الإشارة إطلاقاً إلى جلسة 10 آب أو تفنيد مقرّراتها. كما أنّ غروب “الواتساب” الخاص بالوزراء لم تصله أيضاً مقرّرات الجلسة الاخيرة في 10 آب، والتي تضمّنت العديد من البنود المرتبطة بالتعويض على متضرّري انفجار المرفأ.
لمسات وصياغة وزير العدل السابق سليم جريصاتي واضحة حرفاً حرفاً في البيان، لكن لا كلمة “بالزائد” من جانبه في ما يتعلّق بإشكالية عدم التوقيع: “لا رغبة لدينا بالدخول في أيّ نوع من السجالات”
ومنذ لحظة وصول المرسوم الأول الخاص ببدري ضاهر إلى يد رئيس الجمهورية رفض عون التوقيع، فيما قيل بداية إنّ الذريعة هي عدم صدور مراسيم موظفي فئة أولى آخرين موقوفين في قضية المرفأ. لكن على التوالي وصلت مراسيم حسن قريطم وعبد الحفيظ القيسي ممهورة بكافة التواقيع، فوضعت في أدراج رئيس الجمهورية إلى أن صدر توضيح المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية الرافض رسمياً توقيع عون من دون صدور قرار صريح بذلك وبالأسماء من مجلس الوزراء.
لمسات وصياغة وزير العدل السابق سليم جريصاتي واضحة حرفاً حرفاً في البيان، لكن لا كلمة “بالزائد” من جانبه في ما يتعلّق بإشكالية عدم التوقيع: “لا رغبة لدينا بالدخول في أيّ نوع من السجالات”.
ويتساءل المعارضون لتمنّع عون عن التوقيع: “هل أعطى الدستور رئيس الجمهورية صلاحية الرقابة الدستورية على قرارات مجلس الوزراء. هذه أكبر هرطقة دستورية يرتكبها جريصاتي بحق الدستور والميثاق ومجلس الوزراء. ما حصل أمر خطير واعتداء موصوف على الدستور عبر الرقابة الرئاسية على مجلس الوزراء. أما هيئة التشريع الاستشارات، فعندها “أجوبة وردود غبّ الطلب” هذه الأيام عدا عن أنّ آراءها غير ملزمة أصلاً”.
ويشدّدون على أنّ “خطوة الرئاسة الأولى جاءت على قياس بدري ضاهر خصوصاً أنه ومنذ اللحظة الأولى التي دعي فيها إلى التحقيق تذرّع بوجوده في القصر الجمهوري بحيث أتى الأمر وكأنه نوع الاستقواء، فيما التحقيق مع ضاهر ممكن أن يقود إلى فتح ملفات كثيرين”.
في المقابل، تؤكد مصادر رئاسة الجمهورية “جوابنا هو في بيان القصر المرتكز على رأي هيئة التشريع والاستشارات. لكن كيف لهم أن ينتقدوا العدل وهيئة الاستشارات ويفسّروا الدستور على مزاجهم”، مشيرة إلى رفضنا “الدخول في أيّ سجال مهما كان مستواه. وليس لأحد أن يتّهم رئيس الجمهورية بخرق الدستور إلا مجلس النواب”.