سعد الحريري ونجيب ميقاتي: من يسبق من؟
خالد البوّاب -أساس ميديا
لا سعد الحريري ولا نجيب ميقاتي كانا مقتنعين بخيار ترشيح مصطفى أديب لتولّي رئاسة الحكومة. لو لم يتمّ إسقاط اسم أديب فرنسياً لما سار الرجلان في خياره. الواحد بينهما يعتبر أنّه الأحق برئاسة مجلس الوزراء. نجيب ميقاتي يعتبر نفسه زعيماً سنياً صاحب الأكثرية في طرابلس عاصمة الشمال، وهو الأَوْلى من أن يأتي أحد الموظفين لديه إلى رئاسة السلطة التنفيذية. سعد الحريري لا يرى غيره في ذلك الموقع، ومستعد لإحراق كثيرين، ولو اقتضى ذلك إحراق الطائف والدستور والطائفة السنية برمّتها، بفعل الألاعيب السلطوية ورغبته في إبقاء نفسه ممسكاً بكرسي رئاسة الوزراء.
لا حاجة للعودة إلى الأخطاء التي ارتكبها الرجلان ما قبل وما بعد تسمية مصطفى أديب. لكنّ اعتذار الرجل بعد تنازل الحريري، أسهم في المزيد من الترهّل لدى الطائفة السنية وإدارتها السياسية. هذا الانهيار سيبقى مستمراً، طالما أنّ ميقاتي والحريري لا يخرجان من عقدة “الأنا أو لا أحد”. في الاجتماع الأخير بين رؤساء الحكومة السابقين الأسبوع الفائت، حاول ميقاتي جسّ نبض المجتمعين إذا ما كانوا يوافقون على السير خلف ترشيحه ودعمه لرئاسة الحكومة، بما أنّ الحريري يعلن عدم رغبته بالعودة، وأنّ من يترأس حكومة عليه أن يعلم أنه لن يكون قادراً حتى على إدارة الانهيار والخراب. سارع الحريري إلى تأييد رئيس تيار العزم، بشرط أن يعلن ميقاتي رغبته في تولي رئاسة الحكومة، وبعد أن يعلن موقفاً صريحاً ومباشراً سيصدر الرؤساء بيان تأييده.
انعكس التوتر التركي العربي، والتركي الإيراني، بعد تطوّرات أذربيجان وأرمينيا، على وضع ميقاتي صاحب العلاقة القوية والشخصية مع رجب طيب أردوغان
فهم الأخير أنّ شرط الحريري ما هو إلا محرقة جديدة، لأنه بمجرّد إعلان موقف من هذا النوع، يعني فتح أبواب جهنم على الطرح. اختار ميقاتي أن يسير بهدوء ومن خلف الكواليس منذ أن طرح فكرة حكومة من 20 وزيراً تضمّ 14 وزيراً اختصاصياً و6 وزراء دولة. لاقى الطرح قبولاً من مختلف الأفرقاء، مع فيتو فرض سريعاً على الشخص. للفيتو أسباب عديدة، أولاً تبلغ ميقاتي بأنه ليس الخيار المناسب لتشكيل الحكومة من جهات خارجية، وفي الداخل وصله أنّ الثنائي الشيعي يفضّل سعد الحريري لما يمثّله، فيما رئيس الجمهورية ميشال عون لم يوافق على السير بميقاتي. وربما أسهل عليه العودة إلى الحريري على شريكه اللدود في نادي رؤساء الحكومة السابقين.
انعكس التوتر التركي العربي، والتركي الإيراني، بعد تطوّرات أذربيجان وأرمينيا، على وضع ميقاتي صاحب العلاقة القوية والشخصية مع رجب طيب أردوغان. تلك العلاقة حتّمت فرض فيتو عليه، من قبل الثنائي الشيعي مع أنّه قال أنّ طبيعة طرحه بقبول تمثيل سياسي في الحكومة، خفف من حدّة فيتو الثنائي الشيعي عليه وكذلك رئيس الجمهورية، إلى جانب فيتو عربي ودولي. تعود الكرة إلى ملعب الحريري، يعتبر أنه المرشّح الوحيد بلا منازع او منافس. ولكن ما يعيقه فقط هو الحصول على موافقة سعودية، هو أحرص عليها في هذه المرحلة، على عكس ميقاتي الذي لا يسأل عن مثل هذا الغطاء. لا تبدو الموافقة السعودية متوفّرة، لكن الحريري مستعد للانتظار ريثما تحاول فرنسا إقناع الولايات المتحدة والسعودية بفتح الطريق أمام رئيس تيار المستقبل.
لحريري سينتظر أن تتوفّر الظروف الملائمة، بموافقة خارجية، أو قد يضطر إلى السير بخيار حزب الله وتشكيل حكومة لا تحظى بأيّ غطاء خارجي، وهذا مستبعد لأنّ التعاطي معها سيكون أسوأ من التعاطي مع حكومة حسان دياب
لا يخرج الحريري من فكرة التسوية والحاجة الدائمة إليها. يعود إلى ما فكّر به عند السير بالتسوية الرئاسية مع ميشال عون، والتي اعتبر أنّه تأخر في إبرامها، وكلّ الوقت الذي أهدر لم يؤدّ إلى تغيير المعطيات. يستسلم إلى فكرة أنّ حزب الله لا يتراجع، ويضع نفسه أمام خيار من اثنين، إما حفظ موقعه حالياً والعودة إلى المشهد بإبرام تسوية مع الحزب لا يكون فيها أيّ قدرة على تهميشه أو إخراج من الحكومة وفق الشروط التي فرضها سابقاً، وإما انتظار المزيد من الوقت والذهاب إلى التسوية مرغماً، خصوصاً أنّ حزب الله بدأ التفاوض مع الأميركيين. وبناءً على نتيجة هذه المفاوضات سينجح الحزب في تحصيل بعض المكاسب السياسية أو في الحفاظ على دوره كمؤثر في عملية تشكيل الحكومة.
لا يريد الحريري أن يبقى خارج المشهد، إنما العودة إليه في لحظة تفاوض شيعي أميركي. سيرتكز في وجهة نظره على أنّه لا يمكن تغييب السنّة، من خلال من يمثّلهم، عن تلك التطوّرات والتحوّلات والمفاوضات. سينتظر أن تتوفّر الظروف الملائمة، بموافقة خارجية، أو قد يضطر إلى السير بخيار حزب الله وتشكيل حكومة لا تحظى بأيّ غطاء خارجي، وهذا مستبعد لأنّ التعاطي معها سيكون أسوأ من التعاطي مع حكومة حسان دياب.