زياد علوش*-اللواء
على قاعدة «إذا أعلن الجهاد بطل الاجتهاد»، وقد أعلن رئيس المجلس النيابي نبيه بري انطلاق معركة ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة تحت عنوان «اتفاق-الإطار» فالواجب الوطني الذي طالما رفعنا الصوت بالاستظلال به ينادينا بوقف السجال الآني في سلاح «حزب الله» وأن نؤجل النقاش في الخلافات ونشحذ الهمم للوقوف خلف المفاوض اللبناني «شعب وجيش ومقاومة» في مواجهة الاطماع الاسرائيلية.
قد يستغرب البعض طالما انتقدنا التفاوض والتطبيع مع العدو وطالبنا بضرورة «استراتيجية دفاعية» لبنانية خالصة. الموافقة هنا هي استكمال للرفض هناك، فعندما تكون المواجهة ضد العدو الصهيوني طالما طالبنا بالاشتباك المباشر معه بالأبعاد اللبنانية والعربية والاسلامية والانسانية كما حددها الراحل الكبير الإمام محمد شمس الدين.
سواء كانت عسكرية او امنية أو سياسية ودبلوماسية واعلامية واقتصادية وثقافية.. فنحن بالمجمل الى جانب الصيغة الدفاعية المقاومة أياً تكن رغم الملاحظات ويرجأ النقاش لوقت انتهاء الاشتباك، فالمخاطرة ولم يقم البديل ممنوعة كما القفز في الفراغ والهواء.
هذا الواقع يرتب استدراكاً وطنياً للتفاوض لا بد منه، لا سيما التغييب المخيف للسلطة التنفيذية، حيث الاستفراد بالرأي وإدارة الملفات مقتلة وطنية مؤكدة، طالما برعت تل ابيب في استغلال التباينات اللبنانية والعربية والاسلامية وقد اعجزت عواصم الاقليم المعنية بالقدس وفلسطين عن التوحد على استراتيجيا تحررية وتحريرية جامعة بل امتد ذلك الاستغلال الى عمق الداخل الفلسطيني نفسه.
المعروف في الانظمة الديمقراطية العريقة هو توحد اليمين واليسار والوسط في مواجهة المخاطر والقضايا المصيرية، والى وقت مناسب وتفتح الاستراتيجية الدفاعية على مصراعيها دون قفز في المجهول والتضحية بما هو قائم.
هذا الموقف هو الترجمة الفعلية لفهمنا لدور السلاح والحياد الايجابي، في عمق هذا الفهم لا يكون وسطاً بين خير وشر، فعندما يكون في مواجهة اسرائيل والارهاب الحقيقي يكون «سلاح مقاومة» بامتياز على مساحة امتنا وعندما يكون للتدخل في الشؤون العربية والاسلامية فهو سلاح «حزب الله وايران» كما سنسمي اي سلاح آخر لو قدر له ان يقوم بنفس التسمية، فهمنا للحياد الايجابي هو عدم التدخل في الصراعات العربية والاسلامية والحفاظ على علاقات حسنة مع كل دول العالم التي تؤمن بالعلاقات مع وطننا «لبنان» على اساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، اما فيما خص العدو الصهيوني فلا مجال للتردد لان تل ابيب ستبقى اداة احتلال غاصبة وسرطاناً يجب اجتثاثه.
سيواجه المفاوض اللبناني الذي يتمتع بالكفاءة عدواً مراوغاً، الا ان ابرز تلك العقبات كيف للبنان المقاومة ان يفاوض من لا يستحق على ما لا يملك خاصة والاتفاقات الاساس هي بين لبنان وفلسطين فكيف تكون بين لبنان «واسرائيل» كذلك لبنان لن يطبع ولن يكون آخر الموقعين لأنه ببساطة لا يؤمن بالتسوية والحق عنده فلسطين من البحر الى النهر، تلك شعارات رفعتها المقاومة ولم تسبقها في ذلك عواصم التطبيع الاخرى، تبدو المشكلة اخلاقية بامتياز، فهل تجبر الظروف البعض على ابتلاعها خاصة ان تهديد تحالفات خطوط سكك الحديد والطاقة «الهايدرو كربونية» النفط والغاز تنذر بترك لبنان خارجاً، وهو بأمس الحاجة لانعاش اقتصاده المنهار بتداعياته الاجتماعية والوطنية لدرجة ان الدبلوماسية الفرنسية حذرت من انهيار الكيان اللبناني اذا ما استفحلت الازمة، حيث تبدو مسألة استخراج النفط والغاز اللبناني مسألة حياة او موت لـ«بيروت».
ويخوض لبنان نزاعا مع إسرائيل على منطقة في البحر المتوسط، تبلغ نحو 860 كم مربعا، تعرف بالمنطقة رقم 9 الغنية بالنفط والغاز، وأعلنت بيروت في كانون الثاني 2016، إطلاق أول جولة تراخيص للتنقيب فيها.
ولم تشهد حدود لبنان و«إسرائيل» البحرية نزاعات عسكرية على غرار الحدود البرية، إذ يسيطر «حزب الله» على منطقة جنوب لبنان المحاذية لإسرائيل، وبين الحين والآخر تحدث توترات، بسبب «محاولات مقاتلي الحزب اختراق الحدود» حسب وصف إسرائيل.
وتثير الخطوة تساؤلات، بشأن دلالتها من جهة اعتراف لبنان بإسرائيل، وإمكانية نزع سلاح حزب الله، وارتباط الخطوة بتطبيع الإمارات والبحرين والحديث عن مفاوضات سرية لتطبيع سوريا، إضافة إلى أسباب حرص واشنطن على الاتفاق في هذا التوقيت.
مراحل «ترسيم» الحدود
نقطة رأس الناقورة لها تأثير على الحدود البحرية وتملك امتيازاً جغرافيّاً مرّت الحدود البريّة بين لبنان وفلسطين المحتلة منذ ما بعد اتفاقية «سايكس بيكو» الشهيرة، بثلاثة مراحل تاريخية، كان آخرها مرحلة «الخطّ الأزرق»، الذي قضم جزءاً من الأرض اللبنانية لصالح العدوّ الإسرائيلي.
المرحلة الأولى، أو اتفاقية 1923، وهو اتفاق «ترسيم الحدود النهائي» بين الانتدابين الفرنسي والبريطاني، حيث مثل الانتداب الفرنسي المقدّم بوليه (N. PAULET) ومثّل بريطانيا المقدّم نيوكومب (S.F.NEW COMB)، ووقّع الاتفاق في 7 آذار 1923، وتضمّن 38 نقطة فصل بين لبنان وفلسطين، بالإضافة إلى النقطة 39 على الحدود المشتركة اللبنانية السورية الفلسطينية، من رأس الناقورة إلى منطقة الحمّة السورية. وقدّ حدّدت النّطاق بعلامات موصوفة ومرقّمة، وأودع الاتفاق في عصبة الأمم وتمّ التصديق عليه كوثيقة دوليّة في 6 شباط 1924. المرحلة الثانية للحدود اللبنانية الفلسطينية، فرضها تأسيس الكيان الصهيوني، وحرب العام 1948، التي تلتها اتفاقية هدنة لبنانية «إسرائيلية» بتاريخ 23 آذار 1949، ووقّع وصادق عليها مجلس الأمن. وبموجب المادة الخامسة، شُكلت لجنة عسكرية لبنانية «إسرائيلية» بإشراف الأمم المتّحدة. وبعد اجتماعات مطوّلة للجنة الهدنة، شارك فيها عن الجانب اللبناني المقدّم شهاب، النقيب غانم، النقيب ناصيف، ومن جانب العدوّ الضابطان غوزنسكي وسيجال، تم الاتفاق على رسم الحدود على أساس اتفاق بولييه ونيو كمب (1923)، وعلى أن تتناول الأعمال إعادة وضع إشارات ونقاط الحدود في مكانها، وكذلك وضع إشارات أو نقاط متوسّطة بين النقاط الـ38 الأساسيّة، وهي من النقطة BP2 الناقورة لغاية BP38 (الجسر الروماني على نهر الوزاني).
وفي العام 1961، عقدت لجنة الهدنة اجتماعاً وتمّ الاتفاق على وضع الشارات الـ38 (سميّت BP)، وتمّ زيادة نقاط وسيطة (سميّت B) وعددها 97، ونقاط مساعدة (سمّيت /BP) وهي ثمانية. وفيما بقي الموقف اللبناني مستنداً على اتفاق بولييه نيوكمب واتفاقية الهدنة، أقرّ العدو بالاتفاقيتين، لكنه تحفّظ على «دقّة» الخرائط لترسيم الحدود.
أمّا المرحلة الثالثة، وهي مرحلة ما بعد الانسحاب في 25 أيار 2000، الذي رُسِّم على أساسه «الخطّ الأزرق». فقد تسلّم الجانب اللبناني خريطة كناية عن صورة جويّة سميّت بخريطة «لارسن» نسبة لتيري رود لارسن المنسق الخاص السابق للأمم المتّحدة لـ«عملية السلام». وقد أجريت عليها دراسة، وتمّ وضع ثلاثة تحفّظات في BP16 الرميش، وBP35 وBP36 وBP37 (مسكاف عام) وBP38 وBP39 (المطلة). ثمّ بتاريخ 23 حزيران 2000، تسلّم لبنان من اليونيفيل، لائحة إحداثيات مؤلّفة من 198 نقطة. إلا أن لبنان تحفّظ على مزارع شبعا والجزء اللبناني من بلدة الغجر.
* كاتب سياسي.