غادة حلاوي-نداء الوطن
مرة جديدة يجد وزير المالية غازي وزني نفسه محرجاً ما بين دوره الوزاري وبين العلاقة مع المصارف والمصرف المركزي تحديداً. أمس الأول استقبل وزني وفداً من شركة Alvarez& Marsal التي وقعت معها الوزارة عقد تلزيم إجراء التدقيق الجنائي والمحاسبي والمالي في حسابات مصرف لبنان. أرسلت الشركة ما يقارب 150 سؤالاً عبر وزراة المالية الى مصرف لبنان تتمحور حول امور متصلة بحسابات مصرف لبنان وموجوداته وأخرى عن المصارف، وكل ما يتعلق بالموجودات والهندسات المالية. واعطي مصرف لبنان مهلة للرد قبل أن يرسل أخيراً كتاباً مفصلاً ضمنه تحفظاته القانونية على توقيع وزارة المالية للعقد مع الشركة المذكورة ورفضه تسليم المعلومات، إستناداً الى قانون النقد والتسليف، لا سيما لناحية المادة 151 منه والتي تفرض على “كل شخص ينتمي او كان إنتمى الى المصرف المركزي بأية صفة كانت، ان يكتم السر المنشأ بقانون 3 ايلول سنة 1956”. ردّ أحرج وزير المالية الذي يسعى الى تليين موقف سلامة من دون جدوى. لم يخالف سلامة القانون برده ولكن ثمة من يعتبر ان الارادة متى توافرت فبإمكان مجلس النواب أن يلتئم ويخرج كل ما هو خاضع للتدقيق المحاسبي عن نطاق السرية. ويرى أن حاكم المركزي يمارس ما يوازي الدفوع الشكلية كي يهرب ويربح المزيد من الوقت بانتظار ايام افضل.
في الوقت المستقطع من دون حكومة ولا رقابة، تبرز أرقام ووقائع مالية مخيفة، فيما يتلهى المسؤولون بجنس الملائكة. وفي ظل الغمامة السوداء المظللة، ثمة من يتعمد تضييع الناس عن الحقائق. من خطأ الأرقام دخلنا في المقاربات ثم الى حماية قانون النقد والتسليف والصلاحيات. كل جهة تستظل بقانون يحميها من المسؤولية فتبقى عصية على المحاسبة الا المواطن الفقير الذي مارسوا السرية المصرفية عليه، فما عاد يعرف اين وكيف ضاع جنى العمر. مضت سبعة أشهر من دون أي خطوة مفيدة على صعيد المعالجات المالية او التدقيق المالي والجنائي رغم زيادة المخاطر بشكل مرعب. بناء على ارقام الملمين بالواقع المالي فقد إرتفعت الموجودات التي يسميها مصرف لبنان موجودات اخرى والتي يغطي فيها خسارته، من 18 الف مليار ليرة في نهاية العام 2018 الى 37 الف مليار في نهاية 2019 الى 66 الف مليار نهاية ايلول 2020 . فأين ذهبت كل هذه المبالغ وهل هي موجودات حقيقية؟
في المقابل تراجعت موجودات مصرف لبنان الخارجية بشكل مرعب اي من 49 الف مليار بنهاية 2018 الى 44 الف مليار ونصف المليار ليرة في نهاية 2019 الى 30.4 بنهاية أيلول 2020 اي 20.3 مليار دولار يضاف الى هذا المبلغ ما يقارب 700 مليون “foreign ponds ” اشتراها مصرف لبنان فأصبح المبلغ 21 بما فيه القروض بالعملات الاجنبية للمصارف العاملة في لبنان. ويقول الحاكم في محضر جلسة اللقاء الشهري بين حاكمية مصرف لبنان ولجنة الرقابة وجمعية المصارف ان المصارف دفعت له مليارين من اصل 8 مليارات. يقرض مصرف لبنان المصارف بالعملة الاجنبية من موجوداته في الخارج وتسدد دينها من موجوداتها لديه اي بـ”اللولرة” واذا حذفنا 6 مليارات من 21 يبقى الصافي لديه 15 مليار دولار.
يؤكد هؤلاء ان قانون النقد والتسليف لا يتحدث عن احتياطي الزامي على الدولار ولا بودائع الزامية على الدولار، ولكن باتفاق ضمني حصل بين الحاكم وبين رئيس الحكومة عام 1993 فرض على المصارف ودائع الزامية بالدولار في مصرف لبنان وهذه لم تكن معتمدة من قبل لان قانون النقد والتسليف يتحدث عن احتياطي الزامي على الودائع بالعملات اللبنانية فقط لا غير. وكانت هذه اول “بدعة”، والثانية الاستدانة بالدولار للدولة، والثالثة ان المصرف المركزي بات يعطي الدولة اللبنانية بالعملة الوطنية ويأخذ منها الدولار عبر سندات يوروبوند اي ان الدولة استدانت له الدولارات وليس العكس .
هناك اليوم شخص واحد يدير هذه الباخرة التائهة في البحار وهو “سبب اساسي في المشكل”، ومن هنا اهمية وجود حكومة مدركة للواقع اللبناني وان يعاد بناء القطاع المصرفي مع تحفيز عودة بعض المصارف الاجنبية. في الجمهورية الاولى (1943-1975) كان في لبنان اكثر من عشرين مصرفاً اجنبياً وفي الجمهورية الثانية (1990-2020) انسحبت كل المصارف.
تراكمت الديون كما الهدر وبتنا “نأكل من اللحم الحي” والأخطر ان موجودات مصرف لبنان تراجعت بالعملات الاجنبية 11 ملياراً خلال 9 اشهر من السنة في وقت لم يعرف بعد المبلغ الذي صرفه المركزي على الدعم والذي يقال انه لم يتجاوز 3 مليارات ونصف المليار، بالمقابل تمت طباعة نحو 25 الف مليار ليرة من العملة الوطنية اي قرابة 17 مليار دولار والحبل على الجرار.