“ليبانون ديبايت” – روني ألفا
أكادُ أقولُ أن لا فضلَ للرئيس بري في وفائه لكوفية فلسطين. شرِبَ رئيس حركة أمل وجعَ فلسطين من عين المزراب وعين الحور ما أن رمته الأقدار من سيراليون الى تبنين وهو لمّا يزل طفلاً غضّ الإهاب. هذه البلدة ليست على قارعة التاريخ والجغرافية. تبنين حاصرها نبوخذنصر. قلعتها ارتدت الثوب العربي بعد أن عاث الإفرنج فيها طغياناً.
المزايدة فلسطينياً على الرئيس بري دعابة. من تبنين تأسست فكرة مقاومة الكيان الصهيوني. أحمد الشقيري نموذجاً. في بنت جبيل عموماً وفِي تبنين على وجه الخصوص كانت فلسطين ولا تزال وطناً يتجوّل فيها ركام أثينا وروما وبيزنطيا بِتهيُّبٍ وحَذَر. مِن أبي ذر الغفاري الى جوزف مغيزل وخليل قهوجي مروراً بصلاح الدين الأيوبي الذي اتخذ قلعة تبنين مقراً له لتحرير فلسطين يبقى الحي الكاثوليكي المحاذي في البلدة للمساجد مثالاً على تركيبة لبنان وعناق الأديان. لا يمكن لهذا الخليط إلا أن ينتِجَ مقاومين صفّاً أول.
فاتَ ماكرون دراسة طبيعة مياه عين الخان وعين الوردة قبل مقاربة هذا التبنيني العتيق. من أيام ” جميلة أبو حيرَد ” كان الرئيس بري يقنّصُ على فرنسا المستعمِرَة. كان على الرئيس الفرنسي نبش أوراق الثورة الجزائرية في سلوك نبيه بري اليافع آنذاك. التُهَمُ في السياسة لا تَهُمّ. هي من مستحضرات البيت. كلما كانت الكفاية اللغوية متوفرة كلما كان السجال مشوّقاً. السياسة الراقية في محصلة الأمر تبادل مفردات. أما تُهَمُ التخوين وعدم الأمانة والتجريح اللفظي على ما جاء على لسان الرئيس الفرنسي في مؤتمره الصحفي الأخير فشأن آخر. بري أوكلَ إلى ” تيرون إبن عيص ” الرد على سليل روتشيلد. أيهما أعرق يا ترى؟ التاريخ إبتداءً من النبي إبراهيم عليه السلام هو ما لا يتقن تصفّحه الرئيس الفرنسي الشاب. في مقاربة شؤون الشرق الأوسط عموماً وشؤون لبنان على وجه الخصوص لا يكفي أن يتعلّم إيمانويل مخارج الحروف وبعض ضروب فن الخطابة برعاية بريجيت. التعلّم من إخفاقات ديغول والعِبَر التي استخلصها مدخلان أساسيان. لم يلجهما ماكرون.
مَن لم يواكب جرحَ الحدود لا يحقُّ له بالتنمّر. يكفي أن ينحَتَ ملحُ البحر صخرةً قبالةَ رأس الناقورة حتى يستوجبَ الأمرُ عناداً وطنياً في مواجهة صَلَفِ ونَهَمِ العدو. جزيرة ” تاكليت “. سبعون متراً طولها وأربعون عَرضها. من هناك بدأت مهمة هوڤ. خطّه أم خَطّ الرئيس بري؟ سياديون جدد لم يكلّفوا أنفسهم استشارة خريطة بحرية أو قراءة تقرير. إسألوا شميتلّي. ترسيم حدود لبنان أشبَهُ بإعلان جِهاد جغرافي. الإسرائيلي اليوم بكامل عدّةِ غيظه. أن يحتفل” بالتفاوض ” مع لبنان له مدلول. إحداث فتنة. لا بد وأن يتصيّد الإسرائيلي سمكة سخيفة أو حليفة في الداخل. المهمة واضحة: هشّموا بإنجاز المقاومة. إستغلّوا جرح الإقتصاد. أضربوا البيئة الحاضنة. كل ذلك يضمن تدمير المنطقة الإقتصادية البحرية اللبنانية الخالصة قبل بدء المفاوضات… غير المباشرة. منصات العدو البحرية جاهزة. نحن منصاتنا للشتيمة. هو أنجزَ الإستكشاف. نحن يُلهينا تتبُّعُ عبارة ” الحكومة الإسرائيلية ” على لسان مقاوم. براڤو.
ستكونُ المفاوضات غير المباشرة شاقة. أشبه باجتياز حفاة لغابة ثعابين. أفاعٍ وطنية ستشارك من الداخل في اللدغ. عينُكُم على منظمات المجتمع المدني. منها ما هو ملائكي ومنها ما هو من رجس الشيطان فاجتنبوه. العدو يراهن على ثلاث: انفجار المرفأ. الجوع. تدمير المقاومة من بيت أبيها. ستدخل الحملة الجديدة عبر ضرب الحزب بالحركة وأبي مصطفى بأبي هادي. فشلت خطة تحميل الثنائي الشيعي مسؤولية فراغ السلطة التنفيذية. سيتم تحميلهما في المرحلة المقبلة مسؤولية فراغ الرجاء بعودة لبنان. كلما ضُرِب لبنان من خاصرة المقاومة كلما ضمن العدو إبرام صفقات البحر. ضرب لبنان يمر اليوم عبر تخويف المسيحيين من الشيعة. تصفحوا السوشال ميديا. دمار أكبر مما خلّفه النيترات. مؤسف أن تتكتل القوى المسيحية اليوم حول نزعة النيو متصرفية وبدعة الفدرالية ووباء التقسيم وهواء الحياد الأصفر. فقدان للبوصلة وحاجة قومية ماسّة لقبطان غير متوفر.
منذ ثلاثة أيام فقط سلمت الكتيبة الإيطالية العاملة في إطار قوة الأمم المتحدة المؤقتة ” اليونيفيل” هبة من وزارة الدفاع الإيطالية عبارة عن خمسمئة مستوعب لتجميع النفايات لفائدة بلدية تبنين. بلدة نموذجية بيئياً إنما ليست بحاجة الى هذا الفائض من المستوعبات. المطلوب تخصيص المئات منها لأحزاب مستجدة ومنظمات غريبة عجيبة وسياسيين مُغَرَّر بهم. جمع نفايات كمية كبيرة من الكلام المباح وغير المباح. إغلاق محكم حتى لا تفوح التفاهات والحشرات الضارة على سطح السياسة في وطني…