الوقت- لا يزال الغموض يلف مستقبل عمل اللجنة الدستورية السورية، في ظل تشكيك الحكومة السورية في الطرف المقابل لها والمدعوم من قبل الأتراك، وخاصة أن تركيا لم تُبدِ أي حرص على حياة السوريين ومستقبلهم واستقلاليتهم، وانما تستغلهم لمصالحها فقط، حيث ترسل قسماً منهم ليقاتلوا في ليبيا وقسماً آخر في أذربيجان وتهجر من لا يروق لها وتعيده إلى بلاده، وتدعم الجماعات الارهابية المسلحة في سوريا، وفوق كل هذا تريد أن تثق الحكومة السورية بها وهي التي تحتل أراضٍ سورية وتمارس تتريكاً غير مسبوق في المناطق التي تسيطر عليها دون موافقة الحكومة السورية.
السلوك التركي هو من دفع الرئيس السوري بشار الاسد ليعلن أن وفد دمشق لن يناقش، أثناء لقاء اللجنة الدستورية السورية في جنيف، قضايا تتعلق باستقرار سوريا. وأوضح الأسد، في مقابلة مع قناة “زفيزدا” الروسية، أن الفريق المدعوم من الحكومة السورية، يقابله في محادثات اللجنة الدستورية فريق آخر جرى تحديد تشكيلته من قبل “الأتراك”. وعبّر الأسد عن قناعته بأن تركيا والدول الداعمة لها، بما فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها، غير مهتمة بعمل اللجنة الدستورية بصورة بناءة، وأن مطالبها تهدف إلى إضعاف الدولة السورية وتجزئتها، وهذا ما تشهده، وفقا للرئيس السوري، مناطق ودول كثيرة تفرض عليها واشنطن دساتير تدفع بها إلى الفتنة والفوضى وليس إلى الاستقرار.
وأكد الأسد أن الحكومة السورية لا تقبل هذا المنهج وترفض التفاوض حول قضايا تخص استقرار سوريا.
من حق سوريا ألا تسمح لأحد بأن يتدخل بشؤونها الخاصة ودستور بلادها، وخاصة ان تركيا والولايات المتحدة الأمريكية لم تقدما أي شيء ايجابي للشعب السوري، ولم ينتج عن وجودهما سوى الفوضى والدمار والخراب، ليذكر لنا أحد ايجابية واحدة قدماها للشعب السوري، قطع المياه عن الشعب السوري وتعطيشه وتجويعه وسرقة اراضيه ومحاصيله وشركاته، أم سرقة نفطه وفرض عقوبات عليه. كيف يمكن أن يثق أحد بالجهات التي تدعمها أنقرة أو واشنطن؟.
بالعودة إلى عمل لجنة الدستور. لم يتم حتى اللحظة تحديد موعد للجولة المقبلة من عمل اللجنة الدستورية، وقال المبعوث الأممي خلال لقاء جمعه بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قبل أسابيع قليلة “ليس لدينا موعد لاجتماع جديد، لكن سنواصل العمل على هذا الأمر”.
كان من المقرر أن تعقد الجولة الرابعة يوم أمس الاثنين في جنيف، ويبدو انه لا يوجد رضا روسي على آلية عمل اللجنة، وأعرب عن ذلك وزير الخارجية سيرغي لافروف عند ذهابه إلى دمشق، بعدما وافق على موقف دمشق من أن الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة ستعقد في موعدها، منتصف العام المقبل، وبموجب الدستور الحالي للعام 2012 وأنه لا علاقة بين “الرئاسية” و”الدستورية”.
كان من المقرر أن تعقد ثلاث جولات قبل نهاية العام. وكان على الطاولة خياران: الأول، أن تقسم الجولة المقبلة لقسمين: يبحث القسم الأول في المبادئ الوطنية كما يريد الفريق “المدعوم من الحكومة”، ويبحث القسم الثاني في مقدمة الدستور كما يأمل وفد “هيئة التفاوض” المعارضة. الثاني، أن تخصص الجولة الرابعة لبحث “المبادئ الوطنية” وتخصص الجولتان اللاحقتان، الخامسة والسادسة، لمقدمة الدستور.
سوريا تريد المزيد من الوقت لمناقشة “المبادئ الوطنية” دون جداول زمنية محددة ودون تدخل خارجي وهذا مطلب طبيعي، ووفق جهات مطلعة على موقف دمشق، فإن الاخيرة تعتبر أن “الدستور مسألة مصيرية زادت أهميته في ضوء تجربتي العراق ولبنان، ما يعني ضرورة عدم الاستعجال في صوغ مسودة تتضمن ألغاما مستقبلية، وصوغ المبادئ الوطنية وتتضمن مواقف واضحة من الاحتلالات والإرهاب ووحدة سوريا وسيادتها”.
الحكومة السورية تبحث عن ايجاد “الثقة” بالطرف المقابل، ولكن تركيا ومن خلال فشلها في تنفيذ بنود سوتشي واستانا، وإمداد المسلحين الارهابيين بالعتاد والذخيرة، واعادة تشكيلهم يؤكّد أن تركيا تتعمَّد عرقلة الحل السياسي ودحرجة التطوّرات إلى مرحلة الحل العسكري، والذي عمدت سورية وحلفاؤها على وضعه في بند الحل الأخير للحفاظ على دماء السوريين في مناطق وجودهم الخاضعة لسيطرة الفصائل الإرهابية، فمحور العدوان على سوريا يُدرِك بأن إعادة السيطرة السورية على إدلب ستكون له تداعيات مؤثّرة شكلاً ومضموناً على الكثير من المسارات في الشرق الأوسط.
الخروقات التي ارتكبتها المجموعات المًسلّحة في مناطق خَفْض التصعيد، وخَرْق قرار الهدنة المُبرَم لمراتٍ عديدة، هي محاولات لحَرْفِ مسار الحل السياسي مع اقتراب أيّ اجتماع متعلّق بالوضع في سوريا، هذا الأمر يُشكّل الارتباط الوثيق بين هذه الجماعات والضامِن التركي، فالفصائل الإرهابية ومع تقدّم الجيش العربي السوري في عدّة مناطق يقابله تعزيز الضربات الإرهابية عبر استهدافٍ للمدنيين، وفي ريف اللاذقية الشمالي الغربي، يأتي في إطار خشية الفصائل الإرهابية من فُقدان السيطرة على المناطق التي بقيت خاضعة لسيطرتهم، والتي تشكّل عقدة الوصل إلى محافظة إدلب، خصوصاً بعد كمّ الهزائم التي لحقت بمجموعاتهم إن كان بالاستهداف المباشر من قِبَل الجيش العربي السوري، أو عبر النزاع القائم بين مجموعاتهم، وان السياسة التركية اعتمدت الإبقاء على عدة فصائل ارهابية.
النقطة الثانية أن الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا غير متفقتين على وجهة نظر واحدة، فلكل منهما أطماع سياسية مختلفة عن الآخر، وبالتالي هذا سيؤثر على الوفد المعارض المدعوم منهما ومسار عمله، حيث تدعم الولايات المتحدة خيار اشراك الأكراد في العملية السياسية وتتبنى ضمنيا خيار حصولهم على وضع خاص في الدستور المقبل. في المقابل ترفض تركيا بالمطلق هذا الأمر حيث تعتبر أكراد سوريا تهديدا لأمنها القومي، وبالتالي فإن حصولهم على امتيازات من الخطوط الحمراء بالنسبة لها.