الأخبار
منذ استقالة الرئيس مصطفى أديب، لم تُسجّل أيّ حركة باريسية في اتجاه تحريك المبادرة الفرنسية. وبانتظار إعادة إحيائها أو نعيها نهائياً، لا وجود لمؤشرات تشي بولادة حكومة جديدة. وفيما يتهيّأ لبنان لانطلاق المفاوضات على ترسيم الحدود الجنوبية، تعيش منطقة بعلبك – الهرمل تحت حكم العصابات المسلحة، في غياب تامّ لأيّ تدخّل من الدولة، وخاصة الأجهزة الأمنية وعلى رأسها الجيش
منذ أيام، تعيش المنطقة حالة حرب بين مجموعات مسلحة تنسب نفسها إلى عشائر. يُخطف فرد من عائلة في الهرمل، ويطلب الخاطف من الدولة التزام الحياد لأنّ المسألة العالقة بينه وبين أحد أقارب المخطوف هي «ثمن كوكايين»! أفراد ينتسبون إلى عشيرة آل جعفر، يقتلون شخصاً من آل شمص، بزعم الثأر لمقتل أحد أبناء العشيرة الأولى على يد أحد أبناء العشيرة الثانية. استنفار واستنفار مضاد، وسط شائعات عن التحضير لهجوم عسكري من هذه العشيرة أو تلك. يصدر بيان باسم عشيرة آل جعفر، لينفي مسؤوليتها عن بيانات التصعيد، وللتعبير عن الاستعداد للتسوية والتهدئة. أما في الميدان، فعراضات مسلحة لعشرات الشبان المدجّجين بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وجولات سيّارة بالعتاد الحربي الكامل!
أيام عصيبة تعيشها منطقة بعلبك الهرمل، وسط صمت حزبي ونيابي ورسمي. وكما هي العادة، الجيش والأجهزة الأمنية يقفون على الحياد. قيادة الجيش تتعامل كما لو أن المؤسسة العسكرية عشيرة من العشائر: «تدخل في الصلحة»، وعندما يقع قتيل في اشتباك بين الجيش ومطلوبين (علماً بأن يد الجيش «ثقيلة» في تلك المنطقة)، يدفع الجيش «الديّة»، ويصالح العشيرة التي سقط منها ضحايا. هذا الأداء ليس من بنات أفكار القيادة الحالية، بل هو أشبه بـ«عرف» متوارث في المؤسسة العسكرية. واليوم، قررت القيادة الوقوف على الحياد بين مسلحي آل جعفر ومسلحي آل شمص.
الأجهزة الأخرى لا تقلّ «حياداً» عن الجيش. كل قطعات قوى الأمن الداخلي أعجز من تنفيذ تبليغ في البقاع الشمالي، باستثناء «فرع المعلومات» الذي لا ينفّذ في بعلبك – الهرمل سوى عمليات «خاطفة»، لا يتدخّل هو الآخر. هو أصلاً أعجز من الدخول في نزاع كالذي تشهده المحافظة البقاعية حالياً. وفي القضايا اليومية، يتجنّب العمل الأمني هناك، بذريعة أن أهل المنطقة «عدائيّون تجاه «المعلومات» ولا نريد لعسكرنا أن يُقتلوا، فيما كل الدولة تلجأ إلى الصلح كلما سقط لها شهيد». هذا الكلام يتكرر منذ عام 2005 في قوى الأمن الداخلي. لكنّه، كما أداء الجيش، يخفي قراراً بترك المنطقة تشتعل بالأزمات، لأهداف سياسية.
الحكومة في انتظار باريس
على صعيد آخر، تتدافَع السيناريوات حولَ مآل الأزمة الحكومية التي تعيشها البلاد، وسطَ عدم بروز مؤشرات إلى أنّ الأسابيع الأربعة المتبقيّة من المهلة التي حدّدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (في خطابه يوم 26 من الشهر الماضي) قد تكون كافية لاستيلاد حكومة، في ظلّ الصراع على تشكيلة وزارية بمعيار تكنوقراطي صرف أو مطعّم بتمثيل سياسي. وفيما ساد المشهد في اليومين الماضيين حديث عن فتح قناة تواصل بين حزب الله وحركة أمل ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون والوزير السابق جبران باسيل، ترمي إلى بلوغ تفاهُم على الحكومة الجديدة وفقَ معادلة حكم الأغلبية، وسطَ ضخ معلومات عن دعوة عون الأسبوع المقبل إلى استشارات نيابية، أكدت مصادر سياسية بارزة أن «فريق الأكثرية لن يذهب إلى هذا الخيار حالياً»، وهو يسمَح بمزيد من الوقت، إذ لم يُسقِط من حساباتِه بالكامل أن تٌفضي المبادرة الفرنسية الى حل في النهاية، ولو أن المبادرة يبدو نجاحها حتى الآن مُستبعداً أو صعباً.
وإذ جرى البناء على هذه الاتصالات – من زاوية أن المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل لوّح بخيار الأكثرية النيابية – إلا أن المصادِر أكدت أن «ما بُني عليها ليسَ دقيقاً»، وذلِك لعدة أسباب:
الأول، هو استمرار المبادرة الفرنسية، على الرغم من تراجع زخمها. فهذه المبادرة في جوهر نصّها تقوم على تشكيل حكومة وحدة وطنية، تضمّ كل الأطراف الذين اجتمعَ معهم ماكرون على طاولة قصر الصنوبر. وبالتالي لن يُصار الى فرض حكومة من لون واحد، قبلَ اتضاح مصير المبادرة، وخاصة أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أعلن في خطابه الأخير الانفتاح عليها.
ثانياً، حتى اللحظة يتقدّم خيار التوافق مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على اسم رئيس الحكومة العتيد، لكن هذه المرة تحت سقف التلازم بين التكليف والتأليف. فمن غير الوارِد تكرار تجربة السفير مصطفى أديب، والسماح لفريق الحريري ورؤساء الحكومات السابقين بتلغيم المبادرة مرة أخرى ووضع شروط لتنفيذ انقلاب ضد الأكثرية.
ثالثاً، وفي ظل غياب وسيط محلّي قادِر على المبادرة، هناك انتظار لجواب من الإليزيه، بعدَ وعد باريسي باستئناف النقاش مع المملكة العربية السعودية بشأن ترؤس الحريري للحكومة العتيدة. لكن حتى الآن لا خبر. فإمّا أن نتيجة التواصل كانت سلبية، وإما أنّ المسعى لم يُستكمَل بعد.
وتقول المصادر إنه منذ كلام السيد نصر الله واللقاء الذي جمعَ مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله الحاج عمار الموسوي بالسفير الفرنسي لدى لبنان برونو فوشيه، لم يحصل أي تواصل مع الفرنسيين، ولم تصِل منهم أي إشارة. وفي ظل غياب الوسيط المحلّي القادر على تحريك المياه الراكدة، يبقى أنّ على الفرنسيين إما إعادة إحياء المبادرة أو إعلان سقوطها لكي يبنى على الشيء مقتضاه. ولفتت المصادر إلى أن «الطرح الذي تقدّم به الرئيس السابق نجيب ميقاتي بتشكيل حكومة تكنو – سياسية، مؤلفة من عشرين وزيراً: 6 وزراء دولة سياسيين و14 وزيراً اختصاصياً، هو طرح مقبول، ولا يعني ذلك أن يكون هو على رأس الحكومة، حتى إن أحداً لم يفاتح فريق الأغلبية بهذا الشأن».
وإذ يجري رصد للمقابلة التي سيطلّ بها الحريري يومَ الخميس المقبل على شاشة «أم تي في» في برنامج «صار الوقت»، لمعرفة الاتجاه الذي سيسلكه في شأن الحكومة، وعمّا إذا كانت هناك متغيرات في الموقف الإقليمي وصلته قبلَ الجميع، وهو ما سيظهر في حديثه، اعتبرت أوساط سياسية أن «رئيس تيار المُستقبل غير موفق في التوقيت، فأيّ هجوم على الثنائي والتيار الوطني سيُصعّب التفاوض معه، وأيّ إشارة الى التعاون ستُحرجه أمام الرياض، إلا إذا كانت ثمة معطيات لا نعلم بها». في السياق، أشار «اللقاء التشاوري» الى أن «المواطنين استبشروا خيراً من المبادرة الفرنسية، ولكن بدا أخيراً كأنّ هذه المبادرة انحرفت عن مسارها وأهدافها وأضافت تعقيدات وتناقضات جديدة للواقع اللبناني». ورأى اللقاء، في بيان، إثر اجتماعه الدوري في منزل النائب عبد الرحيم مراد، أن «على الأطراف والقوى المعنية بالمبادرة، الإسراع في تشكيل حكومة لا تثير هواجس سياسية، أولويّتها معالجة الواقع الاقتصادي والمالي والسير بالإصلاحات».