سيناريوهات رفع الدعم عن المحروقات
كتبت إيفون أنور صعيبي….
لم يعد مصرف لبنان قادراً على تأمين الاعتمادات بالدولار لشراء المحروقات للسوق المحلية. فاحتياطي البنك المركزي المخصّص لشراء المحروقات لا يتعدّى الـ 300 مليون دولار، وهو لا يكاد يكفي لتغطية الأشهر الثلاثة المقبلة كحدّ أقصى وفقاً لعدد الشحنات ووتيرة الاستيراد. أمام هذا الواقع الجديد، أصدرت وزارة الطاقة والمياه جدول تركيب أسعار مبيع المحروقات السائلة (بنزين 98 و95 أوكتان، والديزل أويل). يُفنّد الجدول ثمن البضاعة والرسوم، والعمولة الإضافية المؤقتة، وسعر مبيع الكيلوليتر لكلٍّ من الموزّع وللمحطات بالإضافة إلى حصة شركة التوزيع وعمولة صاحب المحطة، وأجرة النقل وصولا إلى سعر مبيع العشرين ليتراً للمستهلك في المحطة.
بلغ سعر الأوكتان 95: 24,500 ليرة، والأوكتان 98: 25,400 ليرة. أما ديزل أويل (للمركبات الآلية) فـ:14,800 ليرة.
قبل ذلك، أصدرت المديريّة العامة للنفط تقريرها المفصّل عن كمية المحروقات المستوردة خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2020 الجاري. وبحسب الأرقام، فإنّ لبنان قد استورد ما تزيد نسبته عن الـ 13.7% من مادتَي البنزين والمازوت مقارنة مع الفترة عينها من العام 2019.
ليس كلّ ذلك بالجديد، بما أنّ الوزارة اعتادت ان تصدر جدول أسعار بوتيرة شبه أسبوعية. إلا أنّ الجديد هذه المرة، كان لَحْظ الجدول بطريقة غير مباشرة لمسألة تأمين الدولار بعدما أثار مصرف لبنان قضية رفع الدعم تدريجياً عن المحروقات. فخلال الأشهر الماضية، اعتُمدت آلية تأمين 10 % من ثمن المحروقات بالدولار الأميركي من قبل التجار والموزّعين على أساس أن يتم تسديد بقية المبلغ أي الـ 90 % بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر الصرف الرسمي 1515.
هدف الآلية كان تأمين الـ fresh dollar لمصرف لبنان الذي يتكبّد عناء دعم سلع مُهرّبة إلى سوريا، لكن ما حصل في الواقع، هو استمرار البنك المركزي بقبول الشيكات المصرفية، الأمر الذي أتاح الفرصة أمام “التجار” بمراكمة أرباح كبيرة بدلاً من استخدام هامش الفرق في الأسعار لتغذية مصرف لبنان بالدولار، وذلك جراء شراء الشيكات من السوق السوداء واستخدامها لتسديد ثمن البضاعة، ومن ثمّ إعادة بيعها في السوق السوداء.
أخيراً، قرّرت منشآت النفط في طرابلس والزهراني استيفاء ثمن البضاعة كاملاً من التجار بالليرة اللبنانية. وبذلك فهي رمت كرة تأمين الدولار النقدي إلى ملعب الشركات المستوردة للمشتقات النفطية التي سيتوجّب عليها من الآن وصاعداً تأمين الدولارات القابلة للتحويل الخارجي.
وقد لحظ الجدول الجديد هذه المعضلة، فرفع نسبة العمولة الإضافية للشركات المستوردة تحت اسم عمولة إضافية مؤقتة بنسبة 10 %، وهي غير مدعومة من مصرف لبنان لكلّ كيلوليتر كالتالي:
210 آلاف ليرة للبنزين 98 أوكتان.
195 الف ليرة للبنزين 95 أوكتان.
180 ألف ليرة للديزل أويل.
سؤال: كيف ستسترد الشركات فرق السعر بالدولار؟ واذا توجب عليها تأمين دولار نقدي يساوي خسائر لن تتحملها الشركات المستوردة
أما في ما خصّ رفع الدعم، وبعملية حسابية بسيطة يتبيّن أنّه:
– إذا رُفع الدعم عن المحروقات لحدود الـ50 %، فسيلامس سعر صفيحتَي البنزين والمازوت المتداول فيه في السوق السوداء، لكن سيُقضى على التهريب إلى سوريا. وسيتمكّن البنك المركزي من تحسين قدرته على فتح الاعتمادات للشركات المستوردة بنسبة 15 %.
– وإذا قرّر مصرف لبنان دعم المحروقات بـ 75 %، فسيرتفع سعر البنزين نحو 6000 ليرة والمازوت 4500 ليرة، وذلك بمعدل وسطي للدولار على أساس 8000 ليرة.
– أما إذا رُفع الدعم 100 % فسيبلغ سعر البنزين 70 ألف ليرة، والمازوت 50 ألف ليرة.
يتطلّب هذا الواقع الجديد بحسب مصدر متابع، رفع الطلب على الدولار إلى مستوى الشركات المستوردة للنفط، وذلك لوضع حدّ للمضاربات والسوق السوداء.
ويشدّد المصدر على ضرورة اعتماد مصرف لبنان لسعر صرف للدولار النفطي، يخفّف عنه الأعباء، ويكون أكثر عدالة للشركات الخاصة التي احتُجزت أموالها لدى المصارف. لقد آن الأوان لإنهاء مفاعيل سعر الدولار الرسمي (1515) باستثناء قروض الأفراد والشركات التي تسبق تشرين الأول 2019. فبهذه الطريقة لا يضطر البنك المركزي لتغطية فوارق أسعار الدولار.
على خط موازٍ، تُطرح قضية التهريب إلى سوريا هذه المرة لمادة البنزين بعدما استنزف تهريب المازوت ما تبقى من احتياطات البنك المركزي. فبعد العطل الذي طرأ في مصفاة بانياس عانت السوق السورية من شحّ في البنزين، وفاقم الأمر سوءاً العقوبات الأميركية، فلم يكن من مخرج إلا التهريب من لبنان بأسعار خيالية تجاوزت الـ55 الف ليرة للصفيحة الواحدة.
لكن، وعلى الرغم من قرار المديرية العامة للنفط منذ أكثر من شهر بإلزام الشركات الراغبة بالاستحصال على حصة من المازوت أو البنزين من منشأتَي طرابلس والزهراني، التقدّم بطلب للحصول على رخصة، فقد استمرّ التلاعب، واستمرّ التهريب.
القرار الموجّه إلى الشركات الموزّعة على الموقع الرسمي للمنشآت، معه كتاب يبيّن بشكل واضح الحصة المطلوبة أسبوعياً بالليتر، مع مستندات تثبت امتلاك الشركة لصهريج على الأقل مع ملك او استثمار محطة محروقات، وكفالة مصرفية بقيمة سحوبات الحصص تغطي أسبوعين على الأقل مع إفادات من الزبائن لتبرير الحصة اليومية.
وكان من المفترض لهذه الآلية الحدّ من التفلّت الذي تسبّبت به السوق السوداء والتهريب عبر المعابر غير الشرعية، وإبعاد تجار البونات والوسطاء والسماسرة عن أبواب مُنشأتَي طرابلس والزهراني ومنعهم من اللعب في حصص المنشآت الذين يبرعون ببيع البنزين والمازوت لاصحاب صهاريج عبر مبالغ مضاعفة من دون أن تكون لديهم أيّ ضمانات مالية، ولا أيّ وجود في السجلات التجارية الرسمية. إلا أنّ النتائج جاءت عكسية، وهو ما يُثبت تواطؤ الأجهزة الأمنية المعنيّة والتستّر على “المهرّبين” الذين يتلاعبون بالامن الطاقوي فيمتصون ما تبقى من أموال مودعين محتجزة لدى البنك المركزي، ولتبقى مادة البنزين والمازوت سلعاً يتمّ الاتجار بها من جيوب المواطنين وعلى حسابهم.