الحدث

مَن يضع «إطار تفاهم» لولادة حكومة المهمات الكبيرة في تاريخ ما بعد الطائف؟! من استراتيجية الحزب الى القلق المسيحي

اللواء

 

في بحر هذا الاسبوع، من المفترض ان يجري البحث في تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة، بعدما كاد الرأي العام لا يبدي اكتراثاً معقولاً في مسألة تأليف حكومة جديدة لاعتبارات لا تتعلق بالقفز الى مسألة ترسيم الحدود باعتبارها مسألة بالغة الحيوية، بالنسبة للبنان واللبنانيين، وبالنسبة لاستمرار الهدوء الامني في الجنوب، والعودة الى الاستقرار العام في البلد الذي من المؤكد انه سينصرف، تشكلت الحكومة ام لا، الى تدبر امر تلزيم التنقيب عن النفط والغاز، واستخراجه من البلوكات اللبنانية، والذي اعترفت اسرائيل بأن حصة لبنان منها تزيد عن حصتها هي.
والسؤال: هل تتحدد المواعيد للاستشارات التي تتجه الى برنامج الاستشارات من اجل تسمية شخصية لها صفات استثنائية في مرحلة ما بعد تعثر المبادرة الفرنسية، من هذه الصفات قدرة الشخص الذي ستوكل اليه مهمة التأليف على الجمع لا الاستثناء او «الانحياز»، فضلا عن قدرة تؤهله لفكفكة العقد وايجاد القواسم المشتركة بعد سنوات عجاف، ليس من الانهيارات او التعثرات، بل من الضياع وعدم الاتفاق، والسياسات الكيدية وتسجيل النقاط، والإضعاف، والتذاكي، والاستئثار، وكل ما يميز تجربة الحكم بعد العام 2005، الذي شهد حدثين خطيرين، كانا لوقت طويل ضمانة الاستقرار: اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخروج القوات العربية السورية من لبنان، على وقع تظاهرات لم يسبق ان شهدها البلد غداة اغتيال الحريري ومطالبة المجتمعين العربي والدولي بتدفيع سوريا ثمن الجريمة.
تصدعت تجارب أطراف السلطة، على مدى عام كامل، وتناوبت موجات من سوء الطالع، تقض مضاجع عهد الرئيس ميشال عون، لدرجة أن سنة 2019، والأشهر الحالية من العام 2020، كانت الأسوأ التي تصيب عهداً منذ اتفاق الطائف الى اليوم، وسط «عنادية» غريبة عجيبة، لدى أتباع ومناصري التيار الحاكم، او التيار الوطني الحرّ، بأن هذا العهد، هو الذي، أنجز، وعمل، وفعل، ما لم ينجزه عهد آخر… لكن الوهم في مكان والحقيقة في مكان آخر..
بعد أقل من ثلاثة أسابيع، يبدأ العد التنازلي، لنهاية عهد الرجل، الذي يكون مضى على انتخابه، بعد 31 ت1 أربع سنوات، عجاف، غداة تسوية رئاسية، تصدعت، واستحقت، وتفاهم ومصالحة مسيحية- مسيحية، بين التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية»، تحولت، بعد الانهيار الى أحقاد، وخلافات، أحيت مشاعر فقدان الثقة والكراهية بين أنصار الفريقين..
ينطلق فريق العهد، من اعتبارات عدة في مقاربة مواعيد الاستشارات والتكليف والتأليف:
1 – أن الحكومة الجديدة- إذا تشكلت- ستبقى الى نهاية العهد، وتترتب عليها مسؤوليات، في مرحلة انتقالية، تتخطى قانون جديد للإنتخابات او انتخابات نيابية مبكرة او في موعدها، الى ترتيبات العهد الجديد، سواء جرت تعديلات دستورية أم لا، أو تم التوصُّل الى عقد سياسي جديد أم لا..
2 – أن الحكومة الجديدة، تأتي على انقاض حكومة الوحدة الوطنية التي شكلها الرئيس سعد الحريري، واستقالت بعد أقل من شهر من انتفاضة 17ت1، التي يستعد مطلقوها الى الاحتفال بمرور عام على تفجيرها، بوجه السلطة الحاكمة..
3 – ومن المفيد ان يشار الى ان الحكومة الجديدة تأتي، بعد الفشل الذريع، الذي منيت به، حكومة التكنوقراط، التي ما يزال الرئيس حسان دياب في مرحلة تصريف الأعمال، منذ ان استقال بعد 4 آب الماضي، تاريخ الانفجار الهائل، الذي عصف ببيروت، وما تزال آثاره عصية على المعالجة، من اعادة البناء، الى كشف الحقائق المتعلقة بالمتسببين، بهذا الانفجار، ومن ثم تحديد المسؤوليات والعقوبات، بحق مسؤولين وإداريين وعسكريين موقوفين او قيد التحقيق، الذي توسع ليشمل مسؤولين كبار ووزراء، ومدراء القوى الأمنية، ولو على سبيل الشهادة..
4 – تأتي محاولة تشكيل حكومة جديدة، بعد ترنح مبادرة الرئيس ايمانويل ماكرون، والذي لم يرَ مناصاً من تمديد العمل بها، انطلاقاً من صلاحية النقاط الاصلاحية والإنقاذية التي انطوت عليها، لا سيما في مجالي النقد والمصارف، واعادة تعويم الاقتصاد، ومنع انهيار مؤسسات الدولة، او زوال لبنان عن الخارطة، وفقاً لما توقع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.
5 – لم تجرِ مراجعة واضحة، لدى الأطراف المعنية بتأليف الحكومة، بصرف النظر عن أي شيء… كل الذي جرى أن قيادة حزب الله، أجرت سرداً لمجريات تجربة 16 يوماً للرئيس المعتذر عن التأليف مصطفى أديب، فضلاً عن احداث ثغرة في اشتباك مع الجانب الفرنسي، وكشف المستور في التجاذب مع «الفريق السنّي القوي» ممثلاً بنادي رؤساء الحكومات السابقين.. لكنه، لم يقطع، لا مع المبادرة، ولا مع التفاوض، من زاوية تثبيت استراتيجيته التفاوضية على جبهة الحكومة: وزارة المال للشيعة، وتسمية الثنائي الشيعي «أمل» وحزب الله، الذي صار وطنياً بعد ترنح المبادرة الماكرونية، (اما كيف، فلا أحد يعرف، سوى مطلقي الصفة، من الطائفي الى الوطني؟!) للوزراء الشيعة، (يمكن أن يقال باللغة نفسها للوزراء الوطنيين؟!)، والتمسك من تحت الطاولة وفوقها بحكومة سياسية او تكنوسياسية، وهذه نقطة التقاء نادرة، مع المبادرة التي اطلقها، احد اعضاء «نادي رؤساء الحكومات» الرئيس نجيب ميقاتي..
جاء ردّ رؤساء الحكومات على السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، من العيار نفسه، بتحميله مسؤولية عدم نجاح المبادرة الفرنسية، والتنصل من تسمية الوزراء، الى الاكتفاء فقط بدعم الرئيس أديب، الذي رشحه النادي المذكور، بناء لطلب من ثنائي حكومة دياب: 8 آذار او الثنائي الشيعي، والتيار الوطني الحر..
أمَّا بعبدا وفريقها النيابي، وتيارها السياسي، فهم يعزفون على أكثر من وتر، أخطره وتر «دستور الطائف» الذي لم يبق من صلاحيات رئيس الجمهورية إلا المشاركة بتأليف الحكومة من خلال توقيعه الإلزامي على مراسيم التأليف الى جانب رئيس مجلس الوزراء..
يحمّل فريق بعبدا الدستور مسؤولية العجز عن إدارة ملف الاستشارات والتكليف والتأليف، والذي تستدعي هذه المهام، دائماً تدخلاً خارجياً..
السؤال الآن: ما المخرج من واحدة من اعقد الأزمات في الحياة الوطنية دستورياً وسياسياً؟
الاجابة، ببساطة، استناداً الى التجربة الملموسة، المخرج لا يمكن حدوثه من غير «اطار اتفاق» أو السلة المتلازمة، عبر تفاهم سياسي، يسخر اجراءات الدستور، لوضعه موضع التنفيذ، وبتدخل خارجي، بصرف النظر عن الانتخابات الأميركية والفائز فيها، او اشكالاتها المرتقبة؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى