الوقت- مع وفاة الشيخ صباح آل أحمد الجابر الصباح أمير الكويت الراحل عن عمر يناهز ال91 عاماً، أدى الشيخ نواف أخيه غير الشقيق وولي العهد البالغ من العمر 83 عاماً اليمين الدستوري مباشرة يوم الأربعاء في البرلمان الكويتي ليكون الأمير السادس عشر للكويت (الأمير الخامس منذ استقلال الكويت عن بريطانيا عام 1961) ، ومن يتولى زمام الأمور في إحدى أغنى دول العالم، ويعدّ هذا الحدث مهم للغاية في الوقت الحاضر بسبب الآثار والتداعيات التي يمكن أن يخلّفها على الصعيدين الداخلي والإقليمي.
تقع الكويت، وهي دولة صغيرة يبلغ عدد سكانها 4.2 ملايين نسمة، في موقع استراتيجي بين السعودية والعراق عند مدخل الخليج الفارسي الغني بالنفط، ولدى هذه الدولة واحد من أكبر احتياطيات النفط في العالم.
سعى أمير الكويت الراحل الشيخ صباح، والذي تولى قيادة هذه الإمارة منذ عام 2006 والذي كان لديه من قبل العديد من الفعاليات السياسية وشغل منصب وزير خارجية الكويت منذ عام 1963 إلى 2003، إلى حل القضايا الإقليمية من خلال الدبلوماسية وكذلك العمل الإنساني حول الأزمات الدائرة في اليمن وسوريا والعراق وليبيا وفلسطين، إضافة إلى أنه من المعروف عنه وضع خطط لمساعدة مسلمي الروهينجا في ميانمار.
والآن يصل زعيم الكويت الجديد الشيخ نواف آل أحمد الجابر الصباح إلى السلطة في ظل ظروف راهنة تواجه فيها الكويت سلسلة من الأزمات، ولا سيما الأزمة المالية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا وهبوط أسعار النفط، وتفاقم الخلافات السياسية الداخلية، ووضع المنطقة المتأزمة الناجمة عن المنافسة الشرسة للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية.
استمرار السياسات الاقتصادية والخارجية السابقة وتعديلات السياسة الداخلية
تولى الشيخ نواف مقام ولي العهد منذ عام 2006 وخدم سابقًا في وزارات الداخلية والشؤون الاجتماعية والدفاع ، وبدأ العمل كرئيس للحكومة منذ يوليو (تموز) بسبب مرض الشيخ صباح.
يأتي الزعيم الجديد إلى السلطة في وقت تواجه فيه الكويت أعلى عجز في الميزانية في تاريخها والناجم عن هبوط أسعار النفط وانتشار فيروس كورونا ، حيث أعاقت المعارضة البرلمانية الحل المحتمل لأزمة السيولة أي الاقتراض.
في حين أنه من غير المرجح أن تتغير السياسات النفطية والاقتصادية للكويت خلال الحقبة الجديدة، لكن يمكن للمرء أن يتوقع تغيرًا في المناخ السياسي الداخلي الجديد في ظل القيادة الجديدة، وخاصة إذا اقترح الشيخ نواف المصالحة الوطنية على المعارضة، وخاصة بين مختلف فروع الأسرة الحاكمة.
على الرغم من أن النظام السياسي في الكويت يسمح لعدد أكبر من المواطنين بالمشاركة في شؤون البلاد أكثر من أي دولة عربية أخرى في الخليج الفارسي، إلا أنه لا يزال الحاكم هو من يعين رئيس الوزراء والأحزاب السياسية محظورة، لذلك لا توجد معارضة متماسكة، وغالباً ما يكون البرلمان مليئاً بالمستقلين والشعبويين، وليس بشخصيات من التشكيلات الحزبية القوية الراسخة.
ومع ذلك، فإن تحرك الشيخ نواف للقاء اثنين من السياسيين المعارضين الكويتيين منذ فترة طويلة، أحمد الخطيب وأحمد آل سعدون، أظهر أن الأمير الجديد كان على استعداد للتخلي عن السياسة الداخلية التي كان سلفه يتبعها من قبل، كما تلقى الزعيم الجديد مؤخراً مقترحات للإصلاح السياسي والاقتصادي من اثنين من السياسيين المعارضين، وتأتي هذه الاجتماعات عشية الانتخابات البرلمانية المهمة التي ستجرى في وقت لاحق من هذا العام.
كما تقاطع جماعات المعارضة الانتخابات منذ كانون الأول عام 2012، عندما تم تعديل قانون الانتخابات بأمر من الأمير السابق، حيث دعت جماعات المعارضة إلى مقاطعة الانتخابات، وقالت إن التغيير الذي طرأ على قوانين الانتخابات كان يهدف لتقليل حظهم في الفوز في الانتخابات.
الأزمة على رأس الإمارة: قضية الخلافة والتوازن القبلي
وفقًا للدستور الكويتي، سيصل ولي العهد إلى السلطة بوفاة الأمير، وسيكون الأمير الجديد مسؤولاً عن تعيين ولي جديد للعهد، وهو ما يجب أن يقوم به خلال مدة أقصاها عام واحد، كما سيحتاج ولي العهد الجديد إلى موافقة البرلمان بالأغلبية المطلقة، وعلى الورق يمكن للبرلمان أن يرفض انتخاب الأمير ويجبره على ترشيح ثلاثة مرشحين جدد للتصويت عليهم في البرلمان.
في عام 2006 ، تعرضت العائلة المالكة للانفجار بسبب الصراعات على السلطة من قبل مختلف الفروع التي تمكنت من الادعاء بحق السيادة.
ومع وفاة الشيخ صباح ، بدا أن أزمة الخلافة ستبتلع الكويت مرة أخرى ، وهو الحدث الذي دفع البلاد إلى شفا أزمة داخلية كبيرة قبل وفي عام 2006 بسبب التنافس بين فرعي السالم والجابر على السلطة.
في هذا العام (2006) ، بعد وفاة الأمير جابر الصباح عن عمر يناهز 78 عامًا ، وجب منطقياً تسمية ولي العهد سعد العبد الله السالم ، ابن عمه البالغ من العمر 75 عاماً ، خلفاً له ، لكنه كان مريضا جدا ، وكانت صحته تتدهور بسرعة كبيرة بسبب سرطان القولون الذي تم تشخيصه به عام 1997 ، والذي أصابه بالشلل إلى حد ما (وتوفي عام 2008).
ووفقًا للمادة 4 ، الفقرة 3 من الدستور الكويتي ، يجب على الأمير الجديد ، بالإضافة إلى التمتع بالصحة البدنية ، أن يؤدي اليمين أمام النواب ، الأمر الذي لم يستطع سعد عبد الله فعله ، كما دفع إصراره على خلافة الكويت ، البلاد الى دخول أزمة سياسية غير مسبوقة: حيث تحاول عشيرة سعد إجبار رئيس مجلس النواب على تحديد موعد لأداء اليمين ، لكن في غضون ذلك ، دفع صباح ال أحمد آل الصباح ، شقيق الأمير الابق ومن فرع الجابر ، رئاسة مجلس النواب رسميًا لإقالة أمير فرع السالم الجديد من العرش ، وبحسب قرار مجلس الوزراء ، الذي أعقب الاتفاق بين القبائل المتنافسة من العائلة المالكة والتي اجتمعت حول الشيخ صباح ، ان الشيخ صباح سيخلف الأمير المتوفى في 29 يناير 2006 ، وسيحكم البلاد لمدة عشرة أيام فقط ، وفي الواقع ، أنشأ دستور عام 1962 والقانون البديل لعام 1964 آليات للإطاحة بالأمير في حالة العجز البدني أو العقلي التي نحول دون تحمل مسؤولياته.
ثم عين أخيه نواف ال أحمد ولياً للعهد ، وأرسى هذا الإجراء أيضًا هيمنة فرع الجابر على فرع مهم آخر من العائلة المالكة.
إذا كان إضفاء الطابع المؤسسي على قوانين الخلافة قد ضمن استقرار الكويت حتى الآن ، فقد اشتد التنافس وراء الكواليس بين أفراد العائلة المالكة منذ كسر تقليد نقل السلطة في عام 2006 وظهور صراعات على السلطة في الجيل الثالث من الأمراء ، حيث يتمحور تركيزهم حول بطلين رئيسيين: رئيس الوزراء السابق ناصر المحمد الأحمد الصباح (2006-2010) من جهة ، ومنافسه الرئيسي ، أحمد الفهد ال أحمد الصباح ، فالأول مقرب من الشيعة ، الذين يشكلون حوالي 40 في المائة من المجتمع الكويتي ، والثاني هو الكتلة الشعبية لأحمد ال سعدون (رئيس البرلمان السابق وزعيم المعارضة المقربة من الإخوان المسلمين).
وخلال العقود الماضية ، تم تحديد قوانين الخلافة في إمارات الخليج الفارسي من خلال نظامين: انتخاب من قبل المجلس الملكي أو مراعاة القوانين والأعراف المنصوص عليها في الدستور ، ومع ذلك ، على مدى السنوات القليلة الماضية ، حدث العديد من الابتكارات واحدة تلو الآخر في هذا الموضوع ، تنحى أمير قطر في عام 2013 لصالح نجله الشيخ تمينو ، وكذا كسر تقليد نقل السلطة بين أبناء عبد العزيز في السعودية منذ 2017 وتتويج محمد بن سلمان كولي للعهد.
وفي هذا الوضع ، يبدو أن الآليات التقليدية لتنظيم المنافسات الداخلية في بيت الصباح أصبحت غير فعالة ومشلولة ، ولن يعود المجلس الملكي قادرًا على فرض مكانته كقاضٍ للنزاعات داخل الأسرة وضامن للوحدة الداخلية ، وفي عام 2006 على وجه الخصوص ، ولأول مرة في تاريخ الخليج الفارسي والكويت ، تمكنت هيئة منتخبة من إزاحة شخص من العرش بشكل فعال واستبداله بآخر.