الشرق الأوسط: محمد شقير
خرج عدد من زوار الرئيس اللبناني ميشال عون ممن التقوه في اليومين الماضيين بانطباع لا جدال فيه بأنه أصيب بخيبة أمل من جراء إسقاط المبادرة الفرنسية التي تشكل الفرصة الأخيرة للبنان لوقف انهياره المالي والاقتصادي، رغم أن معظم الأطراف الرئيسة التي التقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كانت التزمت خريطة الطريق التي طرحها لوضع مبادرته على سكة التطبيق بقيام حكومة تتشكل من اختصاصيين ومستقلين.
فرئيس الجمهورية الذي يأخذ على بعض الأطراف السياسية انقلابها على المبادرة الفرنسية كما ينقل عنه زواره، بدا شديد الانزعاج، وهذا ما يفسر قراره بالانكفاء عن القيام بدورة جديدة من المشاورات إلى حين مبادرة هذه الأطراف إلى مراجعة حساباتها، لعلها تتفادى الكوارث السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية المترتبة على إسقاط المبادرة الفرنسية أو إعاقتها وصولاً إلى التصرف وكأنها لم تكن.
ويؤكد الزوار أنفسهم أن ماكرون بمبادرته كان وراء إعادة تحريك الاتصالات التي فتحت الباب أمام الوصول إلى تسوية تستدعي من الجميع تقديم التسهيلات المطلوبة أو تبادل التنازلات التي تدفع باتجاه إخراج لبنان من التأزم، ويقول هؤلاء لـ«الشرق الأوسط» إن عون يتمسك بالمبادرة الفرنسية ولا يرى بدائل لها في المدى المنظور، وبالتالي فهو يعلق كل الآمال عليها، لعلها تتيح له أن ينهي الثلث الأخير من ولايته الرئاسية بتحقيق إنجاز يكمن في وقف التدهور ومنع البلد من التدحرج نحو الفوضى.
ويلفت هؤلاء إلى أن عون «يوزع المسؤولية في إسقاط المبادرة الفرنسية على الأطراف إنما بنسب متفاوتة، وهو وإن كان يغمز من قناة رؤساء الحكومات السابقين فإنه يضع اللوم الأكبر على حلفائه»، وتحديداً «حزب الله» وحركة «أمل»، على خلفية عدم موافقة «الثنائي الشيعي» على المخرج الذي طرحه لتسوية الخلاف حول وزارة المالية في ظل إصرار هذا الثنائي على تسلمه هذه الحقيبة.
وفي هذا السياق، ينقل الزوار عن عون قوله إنه دعا إلى المشاورات السياسية التي قام بها في محاولة لتذليل العقبات التي لا تزال تؤخر ولادة الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس المكلف السفير مصطفى أديب بعد أن أُحيط علماً بأنه يميل للاعتذار عن تأليفها.
ويضيف هؤلاء بأنه ركز في مشاوراته التي شارك فيها من خارج «قوى 8 آذار» الرئيس نجيب ميقاتي وعضو كتلة «المستقبل» النيابية سمير الجسر، على طرح مجموعة من الأسئلة أبرزها كيفية الخروج من المأزق وتطبيق المداورة في توزيع الحقائب على الطوائف وموقف الكتل النيابية من تسمية ممثليها في الحكومة.
ويؤكدون أن عون عندما استدعى رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد للقائه في بعبدا طرح عليه أن يترك له تسمية من يتولى وزارة المالية من خارج الطائفة الشيعية وأن يكون مسيحياً، في مقابل أن يتعهد شخصياً بتوفير الضمانات التي يطالب بها «الثنائي الشيعي» لتبديد ما لديه من هواجس. لكن رعد، بحسب الزوار، أصر على موقفه، كما أصر «الثنائي الشيعي» على موقفه برفض المخرج الذي تقدم به زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ويقوم على احتفاظ الثنائي بوزارة المالية شرط أن يترك لرئيس الحكومة اختيار الاسم المرشح لتوليها.
وبهذا يكون «الثنائي الشيعي» قد أقفل الباب في وجه الوصول إلى تسوية، خصوصاً أنه يصر على أن يكون من حقه الحصري تسمية الوزراء الشيعة، متهماً نادي رؤساء الحكومات بتسمية الوزراء مستقوياً بالخارج، فيما يحق لرئيس الجمهورية تسمية الوزراء المسيحيين أسوة بإصرار الثنائي على تسمية وزرائه.
وهكذا اضطر ماكرون إلى تمضية إجازة قسرية بمنحه الأطراف السياسية فرصة تتراوح ما بين 4 و6 أسابيع لمراجعة حساباتها قبل أن يعاود تحركه، وهذا ما دفع بقوى محلية للاعتقاد بأنه يربط استئناف تحركه بإجراءات الانتخابات الرئاسية الأميركية في ضوء رفض طهران التدخل بذريعة أن تشكيل الحكومة هو شأن داخلي، مع أن الوجه الآخر لعدم تدخلها يكمن في أنها تحتجز تشكيل الحكومة لعلها تتمكن من بيعها في مفاوضاتها المرتقبة مع واشنطن.
وعليه لا يبدو أن عون في وارد الدعوة على الأقل في المدى المنظور لإجراء استشارات نيابية مُلزمة لتسمية الرئيس المكلف لخلافة أديب، وتعزو مصادر سياسية السبب إلى أن المعطيات الراهنة ما لم تتبدل رأساً على عقب باتجاه إنضاج الظروف المواتية لولادة حكومة جديدة فهو ليس في وارد إقحام نفسه في مغامرة سترتد عليه شخصياً وسيصاب بسببها بخيبة أمل جديدة مع أنه لم يعد يحتمل مزيداً من الصدمات.
وتعتقد المصادر نفسها أن تجربة عون من خلال تعثر تشكيل حكومة جديدة باتت تعطيه الحق في مطالبته بضرورة التلازم بين التأليف والتكليف أو على الأقل التفاهم على اسم الرئيس المكلف مقروناً هذه المرة بحسم الخلاف الدائر حول وزارة المالية، فيما لا يبدو أن الحريري على استعداد لتعويم مبادرته أو طرح مبادرة جديدة رغم أنه طرحها منفرداً من خارج نادي رؤساء الحكومات السابقين.
لذلك، لن يدخل عون في مشكلة مع القوى المناوئة له، وهذا ما يفسر عدم استعداده لتشكيل حكومة مواجهة من لون واحد على غرار الحكومة المستقيلة برئاسة حسان دياب تقديراً منه أنها ستلقى معارضة تمتد إلى خارج الحدود اللبنانية، مع أن فترة تصريف الأعمال قد تكون مديدة بصرف النظر عن أنها غائبة عن السمع بعد أن تحولت إلى عداد لإحصاء الإصابات والوفيات بسبب وباء فيروس «كورونا».