الأخبار
حدث الانقسام الأول داخل أسرة آل الصباح في أيار/ مايو 1896، عندما قَتَل مبارك صباح الصباح اثنَين من إخوته غير الأشقّاء، أحدهما الحاكم آنذاك محمد صباح الصباح. على مدى 19 عاماً، تولّى «مبارك الكبير» السلطة، وحاز اعترافاً بريطانياً بالكويت ككيان منفصل عن السلطنة العثمانية. انتقلت السلطة عقب وفاته أواخر عام 1915 إلى ابنه جابر الذي توفّي بعد 15 شهراً، ثمّ سالم حتى وفاته في 1921، ليَخلف هذا الأخيرَ ابنُ الأوّل، أحمد، أبو الأميرَين الحالي والراحل. بعد عام 1915، برز اتفاق تمّ إضفاء الطابع الرسمي عليه في المادة الرابعة من دستور الكويت لعام 1962، يقضي بأن تنتقل الخلافة إلى أحفاد «مبارك الكبير»، علماً أنها اقتصرت، للمفارقة، على جناحَي الجابر والسالم.
مع وفاة الأمير جابر الأحمد الصباح في عام 2006، نُصّب صباح الأحمد أميراً للكويت، فيما تولّى نواف منصب وليّ العهد. جاء ذلك بعد إطاحة سعد العبد الله، وبروز صدع داخل الأسرة الحاكمة، فتح على مواجهات علنية بين جناحَيها، الجابر والسالم. فشلُ آل الصباح، آنذاك، في التوافق على اختيار أميرٍ من بينهم عمّق الأزمة، وفتح الطريق أمام البرلمان الكويتي لاختيار الأمير الجديد وتسوية الصراع المستعر. تجاوزت التسوية العُرف السائد الذي يفترض أن ينظّم التعاقب على حكم الإمارة بين الجناحَيْن، إذ إن صباح الأحمد ينتمي، مثل سلفه، إلى جناح الجابر الذي ينتمي إليه أيضاً الأمير الجديد. بتلك التسوية، هدأت مخاوف كثيرين من تداعيات انفجار الصراع الذي عاد ليطلّ برأسه مجدّداً بوفاة الأمير صباح. على أن انتخابات مجلس الأمّة، المُقرَّر إجراؤها الشهر المقبل، ستمنح البرلمان دوراً كبيراً في تحديد هويّة الجالس على كرسيّ ولاية العهد، عبر تمرير اسمه ومنحه الثقة بموجب الدستور، وهو ما من شأنه أن يحسم وجهة الخلاف، في ظلّ حديث عن وجود خمس شخصيات، على الأقلّ، تسعى بجدّية إلى المنصب.أسماء بارزة في جناح الجابر، مِن بينها رئيس الوزراء الأسبق ناصر المحمد ونائب رئيس الوزراء الأسبق أحمد الفهد، تطرح منذ سنوات نفسها للخلافة، لاعتقادها بأن وليّ العهد القادم سيأتي بالتأكيد من جناحها، الجابر، بعدما جرى تحييد الجناح الآخر عن ديناميات السلطة. بعد عام 2006، وتصاعد الاقتتال بين الجناحين، حين بدأ الطَامحون من فرع الجابر بناء قواعد نفوذهم الخاصة، خرجت الخلافات من إطار العائلة لتدخل المجالين السياسي والعام. ظهرت هذه الديناميّات في الاحتجاجات التي هزّت الكويت على مدى أشهر في عام 2011، حين انخرط المرشّحان الرئيسان لولاية العهد، ناصر المحمد وأحمد الفهد، في صراع طويل على النفوذ كان يهدف إلى تقوية موقعَيهما. لكن يُعتقد أن حملتَهما العلنية أضرّت بكليهما، على رغم أن الأول أنشأ شبكة من المؤيّدين في العائلة والدوائر السياسية، ولا يزال على تواصل مع المجتمع الدبلوماسي الدولي. ومن المرجّح أن يكون منافسه الرئيس اليوم هو الأكبر منه في عائلة الصباح الحاكمة، نائب رئيس الحرس الوطني، مشعل الأحمد الجابر الصباح.
صحيح أن الأمير نواف (83 عاماً)، الذي شغل ولاية العهد لمدة 14 عاماً، انتظر طويلاً هذه اللحظة، لكن حسابات معقّدة تحيط بتسمية خليفته، إذ يسعى نجل الأمير الراحل، ناصر، إلى المنصب، لكن اسمه مقرون بصداماته بداية العام الجاري داخل مجلس النواب والسجالات التي دخل فيها في شأن قضايا الفساد، والتي أدّت إلى إبعاده فوراً عن الحكومة تجنّباً لانشقاقات كادت تحدث داخل الأسرة. وعلى رغم تقدّمه في السنّ (72 عاماً)، والمشكلات الصحّية المزمنة التي يعاني منها، إلا أنه يسعى بقوة إلى ولاية العهد منذ مرض والده ومرافقته له إلى الولايات المتحدة في رحلة علاجه الأخيرة. في المقابل، تبدو فرصة الابن الرابع للأمير الراحل، محمد السالم (حاصل على درجة دكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفرد)، جيّدة أيضاً، لأن فرع عائلته (من جهة الأم) لم يدخل في مبدأ المداورة للمرّة الأولى – استثنائياً – عام 2006، وهو الآن (يبلغ 65 عاماً) الأوفر حظاً، إذ كان وزيراً سابقاً للخارجية، وله اتصالات مستمرّة مع جميع دول الخليج، فضلاً عن «صداقة وطيدة» تجمعه بالملك السعودي، سلمان، منذ عقود. أما مشعل الأحمد، الأخ غير الشقيق للأمير نواف، فيحظى بفرصة كبيرة لتولّي ولاية العهد، لكن تقدّمه في السنّ (80 عاماً) يقلّل من فرصه في حال رغب الأمير الجديد في تجديد الدماء في الديوان. يواجه هذا الأخير تحفّظات داخلية محدودة مقارنة بباقي الأسماء المطروحة، في حين أن قربه من نواف والثقة التي يحظى بها تزيد من أسهمه، ولا سيما أن علاقاته بمختلف الأطراف جيّدة، وربّما يمرّ طرح اسمه بسهولة.
هكذا، يبدو أن في اختيار مشعل لولاية العهد – في حال حدوثه – توافقاً ضمنياً على إرجاء الأزمات؛ إذ إن الأمير وولي العهد يتجاوزان الثمانين، وخلال عقد على الأقلّ سيكون هناك جيل جديد يصل إلى السلطة، وهو ما يشعر جيران الكويت بالقلق الشديد، ولا سيما أن الخلافات داخل الأسرة الحاكمة تتصاعد بين جيل الشباب أكثر مما كان لدى الجيل الأكبر، الذي قَبِل مواءمات وتنازلات لتسيير الحُكم.