تحقيقات - ملفات

الأمن الصحي في خطر… وتخزين الأدوية في البيوت يزيد الوضع سوءاً!


يسير اللبنانيون في سباق قسري فرض عليهم لجهة تأمين أدويتهم والحفاظ تاليا على استقرارهم الصحي. سباق طرأ أخيرا في ضوء تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي بنسبة تخطت الـ75%، الى ما بات قريب التطبيق من قبل الدولة اللبنانية لجهة رفع الدعم عن سلع أساسية بينها المحروقات والقمح والدواء.

لطالما امتاز لبنان بنظامه الصحي القوي، وخير دليل على ذلك سهولة الحصول على أدوية من الصيدليات دون الحاجة الى وصفات طبية، عدا الحالات المتعلقة بالأمراض المزمنة او العصبية، وتلك التي يحتاج فيها المرضى الى أدوية تعتمد على المسكنات القوية لمعالجة الآلام.

كانت أيام بركة في الصيدليات لجهة توافر الأدوية وتوافر اصناف وبدائل عدة، بينها ما يناسب سعره المرضى غير الميسورين ماديا. الا ان أحوال الأمس القريب تبدلت، فغابت أدوية أساسية من الصيدليات، وغابت معها البدائل، علما ان بعض الحالات لا يحتمل استبدال الأدوية.

انقطاع أكثر من ملحوظ، ناجم عن عدم الاستيراد، وازداد الأمر تفاقما مع إقبال ذوي المرضى على تخزين أدوية خشية انقطاعها وغلاء أسعارها بعد رفع الدعم عن أسعارها المتوقع نهاية السنة الحالية، وفقا لما لوّح به حاكم مصرف لبنان رياضة سلامة من الاقتراب من نفاد الاحتياطات الخاصة بالإنفاق من العملات الأجنبية في المصرف المركزي.

بلبلة في الصيدليات وفي المستشفيات، مع ملاحظة ان الأخيرة، تطلب من ذوي المرضى تأمين أدوية تعتبر بديهية للذين يحتاجون الى تمضية فترة علاج قصيرة في المستشفيات.

في هذا الاطار، يرى رئيس قسم الأمراض السرطانية في مستشفى سيدة المعونات الجامعي في مدينة جبيل البروفسور مارسيل مسعود في حديث لـ«الأنباء»: «ان المشكلة في تأمين الدواء وليس في تخزينه (…) يخشى الناس على أمنهم الصحي، ويقفون بين نارين: الأزمة الاقتصادية الخانقة، وتأمين الأدوية لأطول فترة ممكنة».

ويعرض مسعود لفقدان أدوية خاصة بالحماية من سرطان الثدي، «وهي تعطى للنساء كبروتوكول يمتد 5 سنوات، ويغنيهن عن الخضوع للعلاج بالأشعة. ومعلوم ان نسبة مرضى سرطان الثدي تبلغ زهاء 1 على 8 من مرضى السرطان، وتصل الى 40% تقريبا من اجمالي عدد مرضى السرطان في لبنان. والدواء الذي اتحدث عنه، هو دواء بديل بسعر زهيد لدواء انقطع منذ فترة طويلة. كذلك نعاني غياب الأدوية الخاصة بالعلاج من سرطان الغدد اللمفوية واللوكيميا، الى دواء خاص بالوقاية من الجلطات الدموية من نوع كزاريلتو عيار 20 مليغراما». وكشف البروفسور الشاب ايضا عن معاناة المرضى الذين كانوا يحصلون على أدوية من مركز الكرنتينا الحكومي بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس الماضي. «وقد استغرق الأمر اسبوعا للتأكد من سلامة الأدوية التي لم تلحق بها أضرار، وتم نقل المستودعات الى مكان آخر».

يرى مسعود ان أزمات عدة تصيب مرضى السرطان تحديدا، لكنه لا يغلق نافذة الأمل على تأمين توافر العلاج، «على رغم ظروف مستجدة كفيروس كورونا الذي أدى الى شغر حاملي هذا الفيروس قسم الأمراض السرطانية في مستشفى سيدة المعونات، وهو الأحدث في لبنان بعد افتتاح مبنى خاص به أخيرا، فانتقلنا الى أقسام أخرى في المستشفى (يستقبل مرضى من الشمال وصولا الى ساحل كسروان)».

ودعا الى تنسيق بين وزارة الصحة والأجهزة المعنية لتجاوز هذه الأزمة، والتخفيف من انعكاساتها على المرضى.

من جهته، يقر الدكتور في الصيدلة رولان اسطفان صاحب «صيدلية بيبلوس» العريقة في مدينة جبيل، بفداحة الأزمة الخاصة بالأدوية. ويعزو لـ«الأنباء» السبب الرئيسي «الى تجميع الأدوية في البيوت، وإقدام الناس على التخزين لفترة لا تقل عن 3 أشهر، وتتخطى 6 أشهر أحيانا، ما دفع بوكلاء شركات الأدوية الى فرض تقنين في التوزيع على الصيدليات، بعد نفاد كميات كانوا استقدموها لفترة لا تقل عن سنتين.

كذلك يعاني الوكلاء من تأخير مصرف لبنان فتح الاعتمادات الخاصة بالأدوية وتحويل الأموال الخاصة بها الى الخارج وفق سعر الدولار الرسمي (1515 ليرة مقابل زهاء 8 آلاف ليرة في السوق السوداء).

ويتراوح التأخير بين 20 و60 يوما، ما يدفع بمعامل الأدوية في الخارج الى بيع الطلبيات اللبنانية الى دول أخرى، وانتظار اللبنانيين تاليا الى الانتهاء من تصنيع أدوية جديدة. والشيء عينه ينسحب على معامل الأدوية في لبنان التي تستورد مواد أولية من الخارج، وكذلك الأمر بالنسبة الى مستوردي المستلزمات الطبية».

ويتابع اسطفان مشيرا الى «افضليات باتت تتبعها الصيدليات بتوفير الأدوية لزبائنها، في ضوء تقنين من الشركات الموزعة التي تسلم الأدوية الى الصيدليات بالقطعة الواحدة أحيانا، بدءا من البنادول وغيره من الأصناف». وعرض لفقدان أدوية خاصة بالسيلان ومعالجة اضطراب نبضات القلب، «علما اننا كنا أمنا دواء بديلا لمرضى نبضات القلب، وقد انقطع هو الآخر. واللافت ان الناس باتت تقتنع بالحصول على أدوية بديلة، خلافا لما كان الأمر عليه سابقا».

ويرى الحل المؤقت بـ«اعتماد الوصفة الطبية ومهرها بختم مؤرخ من الصيدلي كي لا يلجأ حاملها الى صيدلية أخرى لتخزين المزيد من الأدوية، علما ان الناس لا يلامون على ما يقومون به».

وحذر من ان ارتفاع أسعار الأدوية سيؤدي الى أزمة مالية في الضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة والمؤسسات الضامنة العسكرية والمدنية، في ضوء عدم رفع الاعتمادات الخاصة بها، والمحسوبة على أساس الاشتراكات من المعاشات الشهرية للموظفين.

وتوقع استمرار الأزمة «الى حين تأمين دولارات من الخارج، وعودة الحركة الطبيعية الى الأسواق المالية في البلاد».

الأمن الصحي اللبناني في الواجهة، وهو يتقدم على ما عداه من أزمات تموين في الأغذية والمحروقات، ذلك ان المرضى لا يحتملون التقنين الممكن اعتماده في القطاعين المذكورين آنفا. ويبقى الدولار المدعوم عنوانا لهذه الأزمة المستجدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى