قد تتشكّل الحكومةُ الجديدةُ خلال أسابيع قليلة، لن تتألّف قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، وقد لا تولد أبداً إلا بعد أن ينجلي غبار التناحُر بين واشنطن وطهران.
3 سيناريوهات لا يملك أحدٌ في بيروت القدرةَ على الجزم بأيٍّ منها يُقْبِل عليه لبنان العالق بين مطْرقة انتحار مالي – اقتصادي يُدفع إليه في ظل عدم توفير المظلة السياسية التي تتيح هبوطاً بأقلّ الأضرار في الهاوية السحيقة، وبين سندانِ نَحْر ما تبقّى من ركائز الدولة التي تتحلّل على وقع استرهانها للصراع الإقليمي الكبير وبات تَعَطُّل آليات الحُكْم فيها يضعها أمام مُفاضَلَةٍ قوامها: إما تغييرات في “النظام التشغيلي” عبر تعديلاتٍ تحت سقف جمهورية الطائف، وإما تغيير النظام السياسي ليتلاءم مع “فائض القوة” الذي يتفوّق به “حزب الله” على المكوّنات اللبنانية الأخرى.
ولم يكن أدلّ على مأسوية المشهد وسودويّته من التوصيف الذي أطلقتْه عليه أوساطٌ سياسية متمرّسة ذهبتْ إلى الحديث عن أن القوى اللبنانية صارتْ تتناتش “جثّة” اقتصادٍ صَرَعه الانهيار المالي – النقدي، وتلهو فوق لهيب أزمةٍ سياسية بلغتْ حدّ جعْل البلاد رهينةَ غَلَبةٍ داخلية تُلاعِب ما يشبه “وصايةً دولية” مازالت تراعي مقتضيات عدم “تفجير” لبنان، وتتعامى عن خطَر وبائي كبير يشكّله “كورونا” الذي “يفترس” بأرقامه القياسية المتسلسلة (تناهز 1300 يومياً) القطاع الصحي الرازح أصلاً تحت عبء المأزق المالي.
وفي حين يدخل لبنان ابتداءً من اليوم تجربةً هي الأوسع لجهة الإقفال التام لـ111 بلدة سجّل فيها “كورونا” أرقاماً مُقِلِقة، فإن انطباعاً لا يقلّ مدعاةً للقلق يسود على الجبهة السياسية حيال تَحَوُّلِ المبادرة الفرنسية الداعية لتأليف حكومة مستقلين لا تسمّيهم القوى السياسية إلى “حقل تَجارِب” في ضوء خلاصاتِ نُسْخَتها الأولى التي طويتْ مع اعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب من دون أن تَسْقُط أهدافها الرامية إلى حضّ اللبنانيين على إطلاق قطارَ الإصلاحات عبر تشكيلةٍ وزارية مهمّتها أيضاً “الربْط على البارد” مع مرحلة التسويات الكبرى عندما تدقّ ساعتها.
وعبّرت الأوساط المطلعة عن الخشية من “نشرين الأول المفاجآت” الذي زاد منسوبُ “حبْسِ الأنفاس” فيه إقليمياً ودولياً مع إصابة الرئيس دونالد ترامب بـ”كورونا” والتأثيرات المحتملة على صحّته كما مجمل السباق الى البيت الأبيض، ناهيك عن تَمَدُّد بقع التوترات في المنطقة وشرق المتوسط وصولاً إلى القوقاز، فيما لبنان غارق في «عمى» كامل حيال مآل المحاولة الثانية من المبادرة الفرنسية التي حدّد لها الرئيس إيمانويل ماكرون مهلة بين 4 و6 أسابيع لتفعل فعْلها، وسط ملامح مناوراتٍ متبادَلة ومحاولاتٍ لاستثمار تطوراتٍ ذات أبعاد خارجية للدفع نحو حكومةٍ وفق قواعد ومعايير ما قبل مساعي باريس.
وفي هذا الإطار، لاحظتْ الأوساط أنه على وقْع استكانةٍ داخلية إلى لعبة انتظارٍ جديدة لاحتْ بوادرُ محاولةٍ لتوظيف الإقلاع المرتقب (في 14 الجاري) لمفاوضاتِ ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية ورعاية أممية والتي أَفْرج عنها الثنائي الشيعي “حزب الله” – رئيس البرلمان نبيه بري في توقيتٍ “مدروسٍ”، بهدف انتزاعِ تشكيلةٍ حكوميةٍ تراعي “الخطوط الحمر” التي حدّدها السيد حسن نصرالله ويتم “ترسيمها” بناء على فشل تجربتيْ حكومتي الرئيس حسان دياب (قوى الغالبية) وحكومة المستقلّين بالطبعة الفرنسية التي اعتبرها الحزب ستاراً للانقلاب على نتائج الانتخابات وإخراجه من دائرة القرار في لحظة “الانقضاض” الأميركي عليه.
ولم يكن عابراً في رأي هذه الأوساط تسريب قريبين من فريق 8 آذار، أن انطلاق مفاوضات الترسيم وإمكان بلوغها خواتيمها خلال 6 أشهر (وفق هذا التسريب) يستوجبان حكومةً “سياسية ووطنية” توفّر مناخاً مستقراً في الداخل يظلّل مسار التفاوض ويواكب محاولات بلوغ اتفاق مع صندوق النقد الدولي على حزمة إنقاذية، مع إيحاءٍ بأن “ورقةَ الترسيمط” هي الأغلى على واشنطن، وهو ما انطوى على رسائل ضمنية بأن تسهيل هذا الملف، ورغم انتقاله إلى عهدة الرئيس ميشال عون، يتوقف على تخفيف الخارج والولايات المتحدة خصوصاً المنحى المتشدّد حيال الحزب وحلفائه ومشاركته في الحكومة الجديدة.
وإذ كان بري يُلاقي هذا المناخ أمس، عبر ما نُقل عنه حول الاتفاق الإطار في موضوع الترسيم وقوله “هذه خطوة ضرورية لكنها ليست كافية ويجب أن تُواكَب بتشكيل حكومة بأسرع وقت قادرة على التمكن من إنقاذ البلد مما يتخبط به من أزمات وتنفيذ ما ورد في إعلان اتفاق الإطار بحرفيته، وهو اتفاق لرسم الحدود لا أكثر ولا أقلّ وكفى بيعاً للمياه في حارة السقايين”، شكّكت الأوساط نفسها في إمكان حصول أي اختراقٍ وشيك في الملف الحكومي، أولاً في ظلّ عدم بروز أي مؤشراتِ تَبَدُّل في ثبات واشنطن على مسار «خنْق» حزب الله بالعقوبات وبتضييق هوامش استخدامه المؤسسات وبيئة الفساد الذي ينخرها لتمكين سيطرته وتحكّمه بمفاصل القرار وتغذية ذراعه العسكرية التي تمتدّ إلى أكثر من ساحة، وثانياً في ضوء صعوبة تَصَوُّر أي تراجعاتٍ لقوى لبنانية على خصومة مع “حزب الله” أو غير متحالفة معه في اتجاه التسليم بحكومةٍ محكومةٍ بالرفض الخارجي وتالياً ستعمّق الأزمة الشاملة للبلاد.
وفي هذا الإطار يتمّ التعاطي مع الطرْح الذي يجري تداوُله حول حكومة تكنو- سياسية من 20 وزيراً بينهم ستة سياسيين يمثّلون الطوائف والقوى السياسية الستّ الرئيسية على أنه من بابِ المزيد من “تقطيع الوقت” في انتظار مآل الانتخابات الأميركية، وسط اعتبار الأوساط عيْنها أن هذا الطرح، سيبقى أسير التعقيدات نفسها التي أجهضت محاولة استيلاد “حكومة الـ14 اختصاصياً مستقلاً” برئاسة أديب وتحديداً لجهة مَن يسمّيهم (الثنائي الشيعي أصرّ على وزارة المال من باب ميثاقي وتسمية وزرائه) ووجوب الأخذ برأي كتل الغالبية البرلمانية.
الراي الكويتية