الوقت- كانت الولايات المتحدة الامريكية تتابع مسألة الاستعمار في لبنان منذ سنوات عديدة ، ولو استطاعت جدران السفارة الأمريكية في بيروت أن تتكلم ، لكانت كشفت من المؤكد عن الفتن والمخططات التخريبية التي كانت الولايات المتحدة الامريكية ترسمها وتحيكها ضد المقاومة ، واليوم الفتنة الأمريكية في لبنان لا تحتاج إلى دليل أو شواهد ، فالمؤامرات الأمريكية السرية واضحة في جميع أنحاء العالم ، هذا البلد الكبير الذي يجد نفسه خاسرًا أمام كل المعارك التي خاضها ضد محور المقاومة ، يخفي يأسه اليوم بإشعال فتيل الحروب المباشرة ، حيث كان هذا الامر واضحًا وجلياً قبل أزمة 17 أكتوبر ، عندما كانت خطة الأمريكيين تتلخص في تسليط الضوء على المنظمات غير الحكومية والتي بدورها تقوم بتنفيذ خططها الشهيرة.
ولا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة الامريكية تسعى للتواطؤ ضد المقاومة ، ومن الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة الامريكية تحارب ضد المقاومة هو ضمان الأمن الداخلي للكيان الصهيوني المحتل ، ولأن المقاومة تعد عنصراً لتحطيم المؤامرة الصهيونية ، وفي هذا الصدد ، أعلن مساعد وزير الخارجية الأمريكية ديفيد هيل أن الولايات المتحدة الامريكية قامت بتقديم 10 مليارات دولار كمساعدات للجيش اللبناني ومنظمات المجتمع المدني في السنوات الأخيرة ، وقالت بعض المصادر المقربة من المقاومة اللبنانية ، إن هذه التصريحات قدمت دليلاً قوياً على حجم الأموال التي دفعتها واشنطن لدعم خطط والمؤامرات التي وضعت لمواجهة واضعاف حزب الله.
لقد نشرت الولايات المتحدة الامريكية أدوات مختلفة داخل لبنان وخارجه لمواجهة حزب الله ، حيث ان السعودية هي إحدى هذه الأدوات التي تسعى لإضعاف المقاومة في لبنان ليل نهار. وكما قال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في خطابه خلال الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة ، انه يجب نزع سلاح حزب الله في لبنان من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد ، وهو ما كان في الواقع مطلب الأمريكيين ، حيث تتماشى هذه الإجراءات مع مطالب الولايات المتحدة الامريكية التي تهدف الى تدهور الوضع في لبنان وخلق المزيد من الفوضى ، في حين يتجاهل ملك السعودية أسلحته التدميرية في اليمن ، والتي أدت إلى مقتل النساء والأطفال اليمنيين ، لكنه يسعى في ذات الوقت إلى نزع سلاح حزب الله الذي يحرر بلاده من المحتلين ويعيد الكرامة إلى الدول المحرومة.
لكن في كل هذه التصريحات ، فإن الأعداء يتلاعبون بحرية واستقلال لبنان ، وهو ما نراه في سوريا وإيران ، وكذلك محور المقاومة تحت شعار «السياسة المحايدة» ، واليوم نشهد تصريح هيل المثير للجدل بشأن إنفاق امريكا لمليارات الدولارات بغية إضعاف المقاومة ، وكذلك صمت العاهل السعودي على كل شيء ، وكل ذلك بهدف تشويه صورة المقاومة. لكن الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها ، حتى مع صرفهم لمليارات الدولارات ، لا يمكنهم تشويه او تحريف صورة حزب الله.
وفي ذات السياق أكد وزير الخارجية اللبناني الأسبق عدنان منصور ، في حديثه لوكالة العهد ، ان تصريحات هيل بشأن تكلفة مليارات الدولارات من المساعدات للبنان ، قائلا إنه من الواضح أن هذه الإجراءات تهدف إلى تشويه صورة المقاومة في لبنان ، وبالطبع فان الجمعيات التي تلقت أموالا من الولايات المتحدة الامريكية تصرفت وفقا لرغبات الولايات المتحدة ، لأنهم لم يكونوا يعملون لصالح لبنان ، وبدلا من ذلك ، فهم لديهم أهداف سياسية لهذا البرنامج ، وفي الماضي كنا قد رأينا تصريحات لمسؤولين أميركيين يعلنون عن تخصيص أموال لزعزعة الاستقرار وتشويه صورة المقاومة في لبنان ، لكن اتضح أنه على الرغم من إنفاقهم الكثير من الأموال ، إلا أنهم لم يتمكنوا من إسقاط صورة المقاومة ، حيث انه من الممكن تسيئ هذه التصريحات والأفعال إلى المقاومة ، لكن المقاومة تقوم على قاعدة شعبية واسعة ، وهذه حقيقة يدركها الأعداء جيداً.
هذا ويتعمق عدنان منصور في أهداف واشنطن المتمثلة في إضعاف صورة المقاومة ويؤكد أن مواجهة المقاومة هي بالتأكيد من مصلحة الكيان الصهيوني ، حيث تريد الولايات المتحدة الامريكية إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي من خلال التطبيع ، وتريد ضمان أمن الكيان الإسرائيلي قبل التسوية ، كما تسعى الولايات المتحدة الامريكية أيضاً إلى تحقيق مصالح إسرائيل من خلال التطبيع دون التكبد ودفع أي مقابل أي بدون عودة الفلسطينيين ودون الرد على عدوانها واحتلالها ، فامريكا هي الحامي الاول لاسرائيل ، لذلك ، فان أي قوة في المنطقة تكون في صراع مع الكيان الصهيوني ، فإن الولايات المتحدة الامريكية تحاول زعزعة استقرار وأمن ذلك البلد من خلال فرض العقوبات عليه وإحداث الفوضى فيه ، أما في لبنان فهو يضع المقاومة على لائحة الإرهاب ويعتقد أن هذا الطرف يهدد السلام في المنطقة وأمنها!
وأوضح عدنان منصور أن إنفاق مليارات الدولارات على لبنان ليس مبلغًا ضئيلًا وهذا المبلغ يعادل ميزانية دولة صغيرة لمدة عام كامل ، لكن صرف هذا المبلغ وحده لم يعمل بشكل جيد للولايات المتحدة الامريكية ، وذلك لأن الهدف من هذا العمل هو إضعاف المقاومة وإحداث شرخ في لبنان حتى يتمكن اللبنانيون من الوقوف في وجه المقاومة ، لكن هذا لم يتحقق منذ سنوات ، فالمقاومة لم تضعف رغم كل مؤامرات الأعداء ، بل تسعى إلى تأمين حقوق اللبنانيين أكثر من ذي قبل.
وأشار منصور في ختام حديثه إلى أن الناس في العالم يخضعون لهيمنة أشخاص يستخدمون نفوذهم ضد الضعفاء ولا يقدرون حقوق الآخرين ويريدون خلق صراعات داخلية في الدول لزعزعة أمن الدول واستقرارها.
كما تتوافق تصريحات منصور مع “الدكتور جمال واكيم” أستاذ العلاقات الدولية ، حيث صرح جمال واكيم أن القانون الدولي يقوم على مبادئ معاهدة “ويستفاليان” التي تحظر التدخل في شؤون الدول ، لكن في عالم اليوم ، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية ، انتهت الحقبة الاستعمارية بفكرة سيادة الدولة وتوسع الاستعمار الغربي ، ومع صعود الهيمنة الأمريكية ، انقسم العالم إلى معسكرين خلال الحرب الباردة التي أنهت السيادة على الدول ، ومع ذلك ، مازال الجدل حول القانون الدولي ومبادئه مستمراً ، لكن الأمريكيين اقتلعوا هذا القانون من جذوره بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وبدأوا في تبرير سياسات التدخل العالمية لحماية ما يسمى بالأمن القومي الأمريكي ، وهكذا فإن نظام الحكم الجديد لم يؤد فقط إلى الهيمنة الأمريكية على مدى العقود الثلاثة الماضية ، بل قام بانهاء كافة مبادئ القانون الدولي.
ووصف واكيم بيان العاهل السعودي بشأن نزع سلاح حزب الله بأنه تدخل في الشؤون اللبنانية ، وعلى حد قوله فإن سلاح المقاومة هو للدفاع عن الوطن هو الذي هزم العدو الإسرائيلي ، ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ، نرى انسحاباً غير مشروط لإسرائيل ، ومع ذلك ، رجح واكيم أن يقبل بعض السياسيين المؤيدين للغرب في لبنان خطاب الملك سلمان ، وهم الطبقة التي اعتمدت دائمًا على الخارج للوصول الى مصالحها الشخصية.