نور نعمة-الديار
وتتوقع اوساط بارزة في 8 اذار أن تبدأ المفاوضات التقنية خلال أسبوعين. وفي حال موافقة لبنان على آلية التفاوض على تلازم المسارين البرّي والبحري، فهذا يعني ضرورة نجاح التفاوض على المسارين وأي فشل في مسار سيوقف المسار الآخر حتى حلّ الخلاف على المسار الأول، ولدى الجيش لجنة أساسية للتفاوض على البرّ ويشكل لجنة فرعية للتفاوض على البحر من أصحاب الاختصاص، ويمكنه الاستعانة بخبرات خارجية نظراً لأنّ تقنيات البحر تختلف عن تقنيات البرّ.
وتعقيبا على ذلك، قالت اوساط وزارية ان عملية ترسيم الحدود هي اتفاق تقني بين دولتين متحاربتين لمعرفة حصة لبنان من الغاز والنفط . واشارت الى ان التوقيت لاعلان موعد ترسيم الحدود البحرية جاء من الولايات المتحدة التي ارجأت مرارا هذا الملف لاسباب اميركية داخلية. اما عن تردد بعض المعلومات ان هذا الاتفاق التقني سيمهد لاحقا الى مفاوضات للتطبيع او السلام مع الكيان الصهيوني، فهذا امر عار عن الصحة. بيد ان اعتراف لبنان بالعدو الاسرائيلي او التطبيع امر ليس مطروحا لا بل مرفوض ومن سابع المستحيلات في تاريخ لبنان وفقا للاوساط الوزارية.
مصادر مقربة من قصر بعبدا:
الرئيس عون يتحضر لمفاوضات الترسيم
الى ذلك، ووفقا للمادة 52 من الدستور اللبناني، يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وابرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة الا بعد موافقة مجلس الوزراء. وهنا في هذه الحال، يتفق الرئيس عون مع رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب ما لم تشكل حكومة جديدة.
اذا ووفقا للدستور، يقوم الرئيس ميشال عون بالتحضير للفريق المفاوض الذي سيضم ضباطاً من الجيش اللبناني وخبراء في القانون الدولي، وقوانين المياه وتحديدا قوانين البحار، والحدود الاقليمية.
واشارت المصادر المقربة من بعبدا الى ان هذا الملف مر بمراحل متعددة وقد لقي اهتماما كبيرا من قبل رئيس البرلمان نبيه بري وعمل الاخير على هذا الملف بالتنسيق مع الرئيس عون وبالاتفاق مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري.
وتشير المصادر اليوم الى ان الرئيس بري اعلن ان دوره في ملف ترسيم الحدود البحرية انتهى، وبالتالي سيكون رئيس الجمهورية ميشال عون من سيتابع الملف والمفاوضات. وكشفت المصادر ان اول اجتماع سينعقد في منتصف الشهر في الناقورة في حضور الامم المتحدة والولايات المتحدة عبر مساعد وزير الخارجية الاميركي ديفيد شينكر. ويجري التفاوض مع العدو الاسرائيلي بطريقة غير مباشرة من خلال ممثل الامم المتحدة.
الترسيم بوساطة الاميركيين
قالت اوساط سياسية ان الاميركيين يتابعون ملف ترسيم الحدود البحرية في جنوب لبنان منذ عشر سنوات، وهم الاكثر تأثيراً في الكيان الصهيوني في اقناعه بالتراجع في مكان او التشبث في مكان اخر. ولذلك قبلت الدولة اللبنانية ان يكون الوسيط الاميركي بين لبنان والعدو الاسرائيلي نظرا لدوره اللافت في هذا المجال.
في المقابل، قالت مصادر ديبلوماسية للديار ان البعض من فريق 8 آذار الذي اقفل الابواب الحكومية امام باريس فتح الابواب الترسيمية للحدود البحرية امام واشنطن. وعللت المصادر الاسباب بأن البعض في فريق 8 اذار يعتبر ان واشنطن هي الجهة التي يمكن تسليفها وهي بدورها تسلفه على قاعدة ان مفاتيح اللعبة السياسية هي بيدها. وبالتالي البعض من فريق 8 اذار لا يميل الى التفاوض مع فرنسا لانه يعتبر انها غير قادرة على تقديم اي شيء له . هدف البعض من 8 اذار هو فتح قنوات للحوار والتواصل مع واشنطن، ويريد ان يقايضها بما يعزز وضعيته المستقبلية في منطقة متحولة يصار الى اعادة هندستها مجددا من قبل الادارة الاميركية. فهل ستتلقف واشنطن هذه الرسائل بايجابية وتبادر الى تقديم موقف لين واقل تشددا؟
من جهة اخرى، ترى الاوساط البارزة في 8 اذار ان ربط اعلان إطارالاتفاق بالمبادرة الفرنسية ليس منطقياً او صحيحاً لسببين: كون الاطار منجزاً ومتفقاً عليه وأعلنه بري قبل انفجار المرفأ في 4 آب الماضي، وبالتالي إطار التفاوض غير المباشر سبق المبادرة الفرنسية بشهر على الاقل.
جمود في الملف الحكومي
اما في المشهد السياسي الداخلي، فلا تطور في الملف الحكومي بانتظار ما سيقوله المسؤولون الفرنسيون وما هي الالية الجديدة للعمل بها. وقد علمت الديار ان الرئيس الفرنسي ايمانيول ماكرون اجرى بعض التغييرات في الملف المتعلق بالازمة اللبنانية. وفي ضوء ما ستطرحه فرنسا، يمكن البناء على شكل الاتصالات المتوقفة حاليا بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري، وكذلك الخطوط لا تزال مقطوعة بين سعد الحريري والثنائي الشيعي. اما الوزير السابق وليد جنبلاط فقد ابتعد عن الملف الحكومي بعد ان قام باتصالات مكثفة بين الحريري وبري لم تؤد الى نتيجة.
وعليه، يسود الجمود في ملف تشكيل الحكومة، خاصة ان الرئيس عون لن يجري مشاورات ولا تكليفاً على غرار ما حصل مع الرئيس المكلف السابق مصطفى اديب تجنبا للوقوع بالاخطاء نفسها.
طرح ميقاتي اعلامي فقط
وفي سياق متصل، كشفت اوساط وزارية للديار ان رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي الوحيد الذي لا يزال ينشط في الملف الحكومي حيث طرح حكومة تكنو-سياسية يترأسها وتكون من 18 وزيراً يتوزعون كالاتي: ستة وزراء قريبين من فرنسا وستة للثنائي الشيعي وحلفائه وستة لتيار المستقبل وحلفائه ولا يملك اي فريق الثلث الضامن.
القوات اللبنانية: نتقاطع مع حلفاء سابقين اذا كان المشروع ايجابياً للبنان
بالنسبة للمبادرة الفرنسية، رأت مصادر في حزب القوات اللبنانية انه واضح ان المبادرة في شقها الحكومي علقت اليوم حيث تجري الادارة الفرنسية عملية تقييم وتشاور لما حصل من اجل تفادي العقبات السابقة. ذلك ان فرنسا عندما تعود لتدفع هذه المبادرة قدما في مرحلة جديدة ستحرص جيدا ان لا يصار الى اجهاضها بل تتمكن من تحقيق الخرق المطلوب بتشكيل حكومة انقاذية. ذلك ان المصادر القواتية اتهمت الثنائي الشيعي بإفشال المبادرة الفرنسية لحسابات خاصة به مشيرة الى ان الاليزيه لن تقبل هذه المرة ان تذهب جهودها هدرا.
على صعيد العلاقة بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل التي يسودها الكثير من المشاكل، قالت المصادر القواتية أن القوات مستعدة لاي مشروع سياسي يؤمن المصلحة العليا للبنان وتتقاطع مع حلفائها السابقين من اجل تحقيقه وانجازه. وتابعت هذه المصادر: «خير دليل على ما نقوله انه ورغم ان العلاقة بين القوات وتيار المستقبل لم تعد كما كانت في السابق ولكن عندما رأت القوات اللبنانية ان هناك مجااًل لاسقاط مجلس النواب عن طريق استقالة الثلاثي القوات -المستقبل-الاشتراكي، لم تتردد القوات في فتح هذا الموضوع مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ومع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري». وبالتالي صحيح ان علاقات القوات مع التيار ليست باحسن احوالها ولكنها ليست مقطوعة، ذلك ان القوات عندما ترى اي مشروع يخدم مصلحة مشروع 14 اذار السياسي الذي لا ينتهي فالقوات مستعدة للتواصل مع حلفائها السابقين على غرار تيار المستقبل.
ولفتت المصادر الى أن الدكتور سمير جعجع جدد دعوته الى الاشتراكي والمستقبل من اجل الاستقالة من المجلس النيابي منذ اسبوع بما ان الامور وصلت الى افق مسدود وفقا للقوات.
هل لبنان على هاوية صحية مروعة؟
وعلى الصعيد الصحي وتحديدا في محاربة تفشي كورونا، اعلنت وزارة الداخلية قرار اقفال 111 بلدة في لبنان بعد ان ارتفع معدل الاصابات بشكل قياسي ومخيف. ذلك ان وباء كورونا بات يشكل تهديدا كبيرا، واذا اكمل لبنان على هذا المنوال فسيكون امام هاوية صحية مروعة. والحال ان المستشفيات الحكومية تقوم بقدر المستطاع لمعالجة المرضى، ولكن كلما زاد عدد الاصابات كلما زاد الثقل على المستشفيات وكلما امتلات اسرة مرضى كورونا. فهل سنصل الى وقت لن يكون هناك عدد متوافر من الاسرة لتطبيب مرضى كورونا؟
انها فعلا كارثة صحية يتجه اليها لبنان اذا لم تتدارك وزارة الصحة ووزارة الداخلية التسارع في عدد الاصابات والعمل على الحد منها، كما يتوجب على المواطن اللبناني الالتزام بالاجراءات الوقائية لسلامته والابتعاد عن الاماكن المكتظة والتقيد بما تقوله وزارة الصحة. بيد ان المواطن مسؤول ايضا عن صحته وهو يستطيع ان يحمي نفسه من وباء كورونا كي لا يواجه المواطنون اللبنانيون كارثة اخرى وهم يعانون من ازمات عديدة في لبنان.
الوضع الاقتصادي سوداوي
يبدو ان لبنان ينطفئ رويدا رويدا اقتصاديا وماليا ومعيشيا ولا مؤشر لانتعاش اقتصاده في المدى القريب ولا البعيد اذا لم تتشكل حكومة وتحصل الدولة اللبنانية على المساعدة المالية الضرورية. والسبب ان لا مقاربة فعلية ولا معالجة حقيقية لاسباب الازمة، بل كل ما نسمعه توصيف للواقع الاقتصادي المتردي دون اي خريطة طريق جدية تعكس ارادة فعلية في انقاذ لبنان.
الدولار يرتفع في السوق السوداء بشكل متسارع وقد قارب حدود 8,500 ليرة لبنانية، وهذا مؤشر سيىء يشير الى ان ندرة الدولار في الاسواق والى العقوبات الاميركية التي حدت من تدفق الدولار الى السوق اللبناني الى جانب افشال المبادرة الفرنسية التي كانت عبارة عن محاولة جدية لمعالجة الازمة المالية والاقتصادية.
وسيواصل الدولار الارتفاع في ظل هذه الاجواء السلبية داخليا وخارجيا حيث ان وباء كورونا ارخى بظلاله على اقتصاد لبنان المهترئ، ناهيك بالخلافات التي احبطت ولادة حكومة، وبالتالي فقدان الثقة بالسوق اللبناني والقطاع المصرفي لا يزال مستمراً.
اضافة الى ذلك، يقترب المصرف المركزي من رفع الدعم على المواد الاساسية كالقمح والادوية والمحروقات، وهذا سيشكل ضربة كبيرة موجعة للاقتصاد وللحالة المعيشية للمواطن اللبناني، ذلك ان لبنان متجه نحو ارتفاع نسبة الفقر بشكل مروع ومهدد بثورة جياع بما ان مصير الليرة سوداوي.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي سامي نادر للديار ان الدولار يواصل ارتفاعه والليرة اللبنانية فقدت 85% من قيمتها ومصرف لبنان يتجه تدريجيا لرفع الدعم عن المواد الاساسية مشيرا الى ان هذا الامر سيؤدي الى المزيد من الانهيار الاقتصادي والمالي. ولفت الى ان المواطن لا يمكن ان يشتري الدواء بسعر مرتفع والمستشفيات لا يمكن ان تؤمن حاجات الناس كلها. ووفقا للخبير الاقتصادي سامي نادر ان مواصلة استيراد الوقود الذي لم ينخفض ولكن نجده مقطوعاً في عدد كبير من المناطق اللبنانية امر يثير الريبة، وبالتالي اصبح واضحا ان هذا التهريب منظم لتفريغ احتياطي مصرف لبنان من العملات. وكشف نادر ان احتياطي مصرف لبنان انخفض 10 مليار دولار منذ بداية السنة حتى اليوم، وهذا امر مروع. وفي تموز تحديدا انخفض 2,3 مليار وبالتالي لم يعد باستطاعة مصرف لبنان الاستمرار في الدعم.
واستغرب نادر ان يعول البعض على ان استخراج النفط سينقذ لبنان معتبرا ان اي مشروع اقتصادي من دون اصلاحات لن يؤدي الى اي نتيجة ايجابية. وهنا دعا الخبير الاقتصادي الى اعادة احياء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والابتعاد عن شيطنة اميركا في هذه المرحلة لان لبنان بحاجة لضخ سيولة في اقتصاده، ويكون ذلك عبر صندوق نالقد الدولي.