“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
جملةُ عوامل سياسية محلية أصبحت ثابتة:
المبادرة الفرنسية بمرحلتها الثانية والاخيرة لم تَعد مستقلّة تماماً بل بات لها شريك وأضحت مرتبطة عضوياً بمفاوضات “الإطار” التي أعلن عنها لبنانياً رئيس مجلس النواب نبيه برّي بعد ظهر الخميس المنصرم حول ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان والعدو الاسرائيلي.
الدعوة إلى استشارات نيابية باتت محكومةً بالشروع في هذه المفاوضات في غضون أسبوعين على الأقل، إلى جانب أنها محكومة بخروج الرئيس ميشال عون من الحجر الصحي. ثم أنها اضحت لا تنفصل عن اجواء الانتخابات الرئاسية الاميركية إنطلاقاً من المهلة الجديدة التي منحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للسياسيين اللبنانيين للإتفاق على إطار حكومي (6 أسابيع).
العقوبات المالية الاميركية أضحت أمراً يلازم سواء المبادرة الفرنسية بنسختها الحالية أو “مفاوضات الاطار”، وواشنطن تريد إستخدامها كأداة لحشد الدعم للخيارات الإسرائيلية على الطاولة المستديرة غير المباشرة ومحاولة “زرك” اللبنانيين من أجل تشكيل حكومة تراعي الشروط الاميركية ولو بالحدّ الأدنى.
إنطلاقاً من كل هذا بات الشأن اللبناني خاضعاً لمنطق التدويل أكثر من قبل. على الطرف الآخر، هناك فئة لم تهضم ولن تهضم محاولات التدويل، وستبقي لنفسها خيارات المواجهة مفتوحة سلمياً، ما دامَ أن الخيارات الأميركية المعتمدة محلياً تحديداً لم يجرِ إدخال تعديلات جوهرية عليها بعد.
من الثوابت أيضاً، ان دخولنا في زمن اتفاق الإطار رحّل الحديث عن تأليف حكومة مستقلة من الاختصاصيين او التكنوقراط أدراجَ الرياح، باتت الكفّة تميل في وضعها الحالي صوب إنشاء حكومة سياسية مدعومة بإختصاصيين أو العكس، اي عملياً شراكة بين إختصاصيين وسياسيين، فما يفترض أن يطرح على الطاولة لا سيما في ما خص منطق التفاوض الذي سينطلق مع العدو قريباً، يحتاج إلى سياسيين للتقرير فيه، سياسيون من النوع “الثقيل” والصريح والموثوق به.
حزب الله في هذه النقطة يمارس السقف الاعلى من التشدّد. لا يمكن بالنسبة إلى الضاحية خوض المفاوضات الحدودية المزنّرة بالصواريخ مع العدو الاسرائيلي في ظلّ وجود حكومة أو وزراء “متذبذبين وغير واضحي المعالم السياسية” أو في ظلّ غيابه عن التركيبة. يفهم من هنا سبب تشددّه تجاه قرار دخول الحكومة خلال مفاوضة السفير مصطفى أديب، كذلك يفهم مدى الحرص الأميركي على إبعاد حزب الله وشريكه في الثنائية الشيعية حركة أمل عن التمثيل المباشر في الحكومة مقابل تمثيل شيعي “خفيف وعلى الهوية”.
عملياً، سيبدأ “الترسيم الحكومي” فور الانتهاء من تشكيل الوفد العسكري – المدني – التقني الموكل أعمال المفاوضة، الذي سيتولى تشكيله رئيس الجمهورية ميشال عون بالتعاون مع قيادة الجيش صاحبة الحصرية في تولّي المفاوضات غير المباشرة، وهي جهة ضامنة بطبيعة الحال لحقوق لبنان. سيتألف الوفد من مجموعة من الضباط أصحاب الاختصاص والجغرافيين العسكريين والمدنيين والخبراء في مجال الطبقات الصخرية والجيولوجيا وما شاكل، وسيكون للتوجيه السياسي حضور رئيسي، بل وسيطبع جبين شخصيات الوفد المقترحة على التشكيل، علماً أن تأليف الوفد لن تكون جهة واحدة صاحبة الحصرية في تسميته بل سيعود إلى إتفاق ضمني بين أكثر من فريق معني بالتفاوض.
تقنياً، ستتولى قيادة الجيش التفاوض بشكل غير مباشر، وعلى الأرجح وفي حال جلس الأطراف على طاولة واحدة، لن يكون الحضور من وجه إلى وجه، اي مباشرةً، بل يفترض أن يفصل بينهما عازل في منتصف الطاولة حيث ستجلس الجهة التي ستُدير التفاوض (الأمم المتحدة) والمشرفة عليه (الولايات المتحدة). مبدئياً، قيادة الجيش ستتلقى التوجيهات من رئاسة الجمهورية وستُحيطها علماً بالتفاصيل التي ستطرح على الطاولة إلى جانب مجلس الوزراء الذي يفترض أن يشكل حين تحضر الارضية السياسية التقنية التي تدور رحاها الآن من خلف الكواليس. بهذا المعنى، يعود “الحق” في إبرام المعاهدات وإدارتها إلى قصر بعبدا كما كان يطلب سابقاً، علماً أن ما يحري بحثه مع العدو بعيد عن منطق المعاهدة وأقرب إلى إتفاق موضعي أشبه بتفاهمَي تموز 1993 و نيسان 1996.
عملياً، الاعدادات السياسية واللوجستية بدأت ترتسم في الحقل اللبناني. المبادرة – الحل التي اطلقها رئيس الحكومة الاسبق نجيب ميقاتي حول تأليف حكومة سياسية هي خيار “أفضل الممكن” حالياً الذي يُراعي ويتلاءم مع التطورات المستجدة، بداية من المبادرة الفرنسية إلى إتفاق الإطار، الباقي أن يجري تأمين التفاهمات السياسية، سواء بالنسبة إلى الاقتراح أو الشخص بعدما انحصرت الخيارات في تسمية ضمن حدود 3 أسماء على الأقل من أصل 4 يتألف منهم “لقاء رؤساء الحكومات السابقين”.
من المفيد ترقّب تطورات الأيام المقبلة وما ستحمله من متغيرات.