لبنان يعلن اتفاق الإطار للتفاوض “البحري” مع إسرائيل
غادة حلاوي-نداء الوطن
عقد من الزمن أمضاه رئيس مجلس النواب نبيه بري “شخصياً” يفاوض “لترسيم الحدود البحرية ورسم خط أبيض في البحر المتوسط الازرق”، انتهت لتكون على متن صفحة ونصف الصفحة هو نص “الاطار العملي للتفاوض حول ترسيم الحدود البحرية والبرية” بين لبنان وإسرائيل. خطوة تسجل كإنجاز لكن العبرة في النتائج وصدق نوايا الاسرائيلي فضلاً عن تفاصيل ما حملته البنود من كلمات.
كان لافتاً ذاك التسلسل الزمني للمواقف الذي رافق الإعلان عن اتفاق الإطار للتفاوض على ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل بما أوحى وكأن الخطوة منسقة مسبقاً. بدأ المسار بإعلان بري عن الاتفاق وتلاه ترحيب الأمم المتحدة ثم الإعلان الإسرائيلي ثم بيان الخارجية الأميركية وموقف الوزير بومبيو، ثم ترحيب الرئيس ميشال عون بإعلان وزير الخارجية الأميركي عن التوصل إلى اتفاق – إطار.
بلسان بري اعلن عن اتفاق – إطار لمفاوضات “ترسيم الحدود البحرية والبرية” بما يتوافق والشروط اللبنانية، حول مفاوضات غير مباشرة تحت مظلة الأمم المتحدة وبحضور أميركي.
أما مسألة التلازم بين مساري البر والبحر فقد بقيت ملتبسة، وزاد من الالتباس ترحيب بومبيو باتفاق “على إطار عمل للتفاوض بشأن قضايا الحدود البحرية”. فبينما أكد عليها بري في مستهل كلمته، كان واضحاً ان النص تضمّن تكراراً ذكر الترسيم البحري مقابل عبارة واحدة تشير الى الترسيم البري بالقول: “عند التوصل إلى إتفاقيات في المناقشات بشأن الحدود البرية والبحرية سيتم تنفيذ هذه الإتفاقيات وفقاً للتالي: على الحدود البرية، في ما يتعلق بالخط الأزرق: بعد التوقيع من قبل لبنان وإسرائيل واليونيفيل”. من دون ذكر التلازم بين المسارين. فهل يعني ذلك تغليب الترسيم البحري على البري. وقد أعقب ذلك التأكيد “في ما يخص مسألة ترسيم الحدود البحرية، سيتم عقد اجتماعات بطريقة مستمرة في مقر الأمم المتحدة في الناقورة تحت راية الأمم المتحدة”. وقد يعني ذلك ان مساري التفاوض قد يطلقان معاً ولكن من دون وجود تلازم.
ما اعلنه بري نقل لبنان الى مرحلة جديدة من تاريخه ولو جاء في حقبة زمنية تزدحم فيها المواعيد الاقليمية والجهود الاميركية باتجاه تثبيت اعتراف دول عربية بإسرائيل، ومع ولادة اول نادٍ لمصدري الغاز الى القارة الاوروبية والذي يضم دولاً تجمعها اتفاقيات سلام مع اسرائيل، يبحث الرئيس الاميركي عن نقاط يسجلها في صندوق الاقتراع لصالحه بدليل وصف الخارجية الاميركية للاتفاق على أنه خطوة تاريخية.
أنهى بري عشر سنوات من التفاوض تعاقب خلالها على متابعة الملف اربعة سفراء للولايات المتحدة الاميركية كان ابرزهم دايفيد ساترفيلد الذي سلم الراية الى ديفيد شينكر المتوقع وصوله الى لبنان خلال الأيام القليلة المقبلة على رأس وفد أميركي لبلورة النقاط العملية في إطار الاتفاق الذي تم التوصل اليه. وهو وفق ما شدد بري “ليس اتفاقاً نهائياً بل يرسم الطريق للمفاوض اللبناني بقيادة الجيش وبرعاية رئيس الجمهورية واي حكومة عتيدة، وبعد اليوم انتهى عملي وبالتوفيق للبنان وللجميع”. وبذلك يكون بري سلم راية المرحلة الجديدة من المفاوضات حول ترسيم الحدود ليبدأ لبنان مرحلة جدية من تاريخه كدولة نفطية يمكنها ان احسنت استثمار ثروتها ان تخرج من سياق الدول التي تعاني أزمات مالية. غير ان اعلان الاتفاق – الاطار لا يلغي ان امام لبنان مرحلة شاقة ومساراً طويلاً من المفاوضات قد لا تنتهي قبل نحو عام تقريباً. فمثل هذه المفاوضات تستلزم وجود حكومة وتشكيل وفد لبناني عسكري ومدني ملم بملف الترسيم البري والبحري. والعامل الايجابي الاضافي للاتفاق – الاطار ان الدخول في مفاوضات مع اسرائيل عبر الامم المتحدة ودخول الشركات الكبرى للدول على خط الاستثمار والتنقيب، سيؤمنان هدوءاً امنياً على الحدود مع اسرائيل لان اي شركة لن تقدِم على صرف ملايينها على عملية تنقيب اذا لم تؤمن الاطار الجيوسياسي للعملية.
خلال إعلانه حاول بري إضفاء عوامل الاطمئنان على الخطوة من باب التأكيد ان حدود التفاوض هي الحدود البحرية بهدف التنقيب عن النفط لا اكثر، قائلاً: “حدود الجنوب سيتم ترسيمها استناداً إلى التجربة الإيجابية الموجودة منذ تفاهم نيسان 1996 وبموجب القرار 1701، وفي ما يخص الحدود البحرية سيتم عقد اجتماعات مستمرة برعاية المنسق الخاص للأمم المتحدة”.
وأكد ان لبنان واسرائيل طلبا من الولايات المتحدة ان تعمل كوسيط ومسهل لترسيم الحدود البحرية، وهي تعتزم بذل قصارى جهودها للمساعدة في تأسيس جو إيجابي وبنّاء مع الطرفين والمحافظة عليه، من أجل إدارة المفاوضات واختتامها بنجاح في أسرع وقت ممكن، مستبشراً ان “الترسيم اذا نجح هناك مجال كبير جداً لا سيما في البلوكين 8 و9 لوجود مواد زاخرة وهي أهم أسباب إقفال الدين في لبنان”.
ورفض ربط الخطوة بالعقوبات الاميركية الاخيرة بحق الوزير السابق علي حسن خليل لأن “الاتفاق حصل في 9 تموز وحينها لم يكن هناك عقوبات وأنا بري بحلاش عالرّص ولبنان كله من هذا الشكل”.
وحول ربط الاتفاق اقليمياً بما يجري من توقيع اتفاقيات عربية مع اسرائيل قال: “منذ عقد من الزمن أعمل على ترسيم الحدود، ولم يكن العرب بالتوجه الذي هم به الآن، ونتمسك بالمبادئ المتفق عليها من رئيس الجمهورية الى آخر لبناني”. وأعرب عن اعتقاده بأن تأخر التنقيب في بلوك 9 كان له علاقة بتأخر التوصل الى اتفاق – اطار، كاشفاً عن وعود ببدء شركة توتال الفرنسية البدء بعمليات الحفر قبل نهاية العام الحالي والاتفاق الاطار يساعد في ذلك، وانه فاتح ماكرون بالطلب من توتال عدم التأخر بالبدء بالتنقيب. ولم يفت بري التأكيد ان ما فعله لم يتجاوز صلاحيات عون “وانا آخر من يخالف الدستور وهذا اتفاق – اطار يدل على الدرب الذي سنسلكه”. وختم: “ان لبنان بجيشه ومقاومته وشعبه لا احد يمكنه أن يهدده”.