الأخبار- إيلي الفرزلي
كل المؤشرات تؤكّد أن مرحلة الدعم انتهت. سوق المحروقات صارت تحكمها الفوضى. لا أحد يمكنه أن يضمن استقرار الإمدادات. كل يوم بيومه سيعيش القطاع كما الناس. صباحاً قد يتوفر البنزين ومساءً قد يختفي من الأسواق. وهذا مسار سيزداد صعوبة على وقع شح الدولارات في الأشهر المقبلة
باختصار، عودة السوق إلى طبيعتها لم تعد ممكنة. الأمور تتجه إلى الأسوأ، وسط ازدياد الحديث عن اقتراب موعد البدء بإجراءات تخفيف الدعم. عملياً هذه الإجراءات بدأت فعلاً، لكن بشكل غير مباشر. إذا كان الهدف من إلغاء الدعم هو تقليص استهلاك الدولارات التي يملكها مصرف لبنان، فإن تقنين الاعتمادات يصبّ في السياق نفسه. لا تحصل الشركات على الاعتمادات كلما طلبتها، كما لم يعد مصرف لبنان يوافق على فتح اعتماد لشحنة من دون إبلاغه مسبقاً. وحتى تلك الشحنات يتعمد تأخير فتح اعتماداتها. الشركات في الخارج تسهم في زيادة الأزمة. لا توافق أي شركة على تفريغ الحمولة قبل أن تتسلم ثمنها. ولذلك، سبق أن طلب مصرف لبنان من وزارة الطاقة تزويده جدولاً بالشحنات المرتقبة حتى نهاية العام. وهو بناءً عليه صار يفتح الاعتمادات مداورة بين الشركات. ولأن المداورة مرفقة بالبطء في فتح الاعتمادات تؤدي إلى تأخر تفريغ الشركات لحمولتها، فسيتعذّر على هذه الشركات أن تستمر في تزويد السوق بشكل طبيعي. كلما نفد مخزون شركة أو اقترب من النفاد ستكون النتيجة عدم توزيع المحروقات على محطاتها أو المحطات التي تتعامل معها. وهذا سيؤدي إلى وجود محطات فارغة وأخرى قادرة على البيع.
في الأساس يستعد مصرف لبنان لمرحلة تخفيف الدعم بشكل رسمي، وهو لذلك لا يريد أن يمكّن شركات الاستيراد من تخزين المحروقات، حتى لا يكون لديها مخزون كبير عندما يُلغى الدعم، فتحقق من خلاله أموالاً طائلة على حساب المستهلك.
كلما وصلت باخرة يتضاءل حجم الكتلة الدولارية، يقول أحد أصحاب المحطات إن على الناس أن يبدؤوا باعتياد شحّ البنزين من الأسواق. هذا سيفرض مع الوقت تغييراً في السلوك، لناحية التخفيف من استعمال السيارة الخاصة، مقابل الاعتماد على النقل العمومي، إذ إنه حتى مع الحديث عن تخفيف الدعم، وبالتالي زيادة الأسعار، فإن ذلك لن يعني توفر المادة بالضرورة. الاعتماد على السوق السوداء لتأمين الدولارات المطلوبة لاستيراد المحروقات ليس سهلاً. سوق المحروقات تصل قيمتها السنوية إلى 2.6 مليار دولار. هذا يعني أن الحاجة الشهرية ستفوق 200 مليون دولار. ولذلك، فإن النتيجة ستكون شحاً في استيراد المحروقات وبالتالي توفرها، وارتفاعاً كبيراً في سعر الدولار، بسبب الطلب الكبير. حتى لو اقتصرت عملية تأمين الدولارات من السوق على 30 في المئة، فإن ذلك يعني الحاجة إلى تأمين 70 مليون دولار من السوق شهرياً. وهذا رقم ضخم أيضاً يمكن أن يقود أسعار كل السلع إلى مستويات جنونية.
سبق أن أشار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في اجتماع القصر الجمهوري، الذي عقد منذ أسبوع وخصص لمسألة الدعم، إلى أنه لن يتحمل مسؤولية الإعلان عن تخفيف الدعم، على أن تتولى الحكومة الجديدة المهمة، على اعتبار أنه ما دام قرار الدعم قد أتى من عند الحكومة، فإن قرار تخفيضه أو إلغائه ينبغي أن يأتي من عندها أيضاً. أول من أمس، عُقد اجتماع ترأسته نائبة رئيس الحكومة وشارك فيه وزيرا المال والاقتصاد وحاكم مصرف لبنان لمتابعة الملف. لا خلاف في أن الغاية هي شراء الوقت، بحيث تكفي الكتلة الدولارية المتبقية لدى مصرف لبنان لأطول فترة ممكنة. ولذلك، بدأ النقاش في كيفية تخفيف الدعم، تدريجياً، عن المحروقات. لم يتقرر بعد كيف ستكون البداية، علماً بأن ما يتردد يشير إلى أن الدعم سينخفض من 90 في المئة إلى 70 في المئة، كمرحلة أولى. كما يمكن أن يصار إلى تحويل الدعم من سعر ١٥١٥ إلى سعر ٣٩٠٠ ليرة. بحسب مصادر المجتمعين، فإن إلغاء الدعم لن يطال القمح أبداً، كما لن يطال «الأدوية الرئيسية»، ما يعني أن الدعم سيُلغى عن بعض الادوية التي تقرر وزارة الصحة أنها ليست أساسية. الأمر نفسه سيحصل بالنسبة إلى السلة الغذائية المدعومة، التي تقرر تخفيض عدد الأصناف داخلها. البطاقة التموينية لا تزال قيد الدرس. الاتفاق عليها محسوم، لكن تبقى التفاصيل المتعلقة بالفئة التي ستستفيد منها وبما ستحويه من أموال. لكن بحسب التقديرات الأولية، فإن البطاقة ستستهدف ما بين 400 ألف أسرة و500 ألف أسرة، بما يقارب 2.5 مليون شخص. وسيتم إيداع مليون ليرة شهرياً فيها.