ميقاتي يتقدّم إلى السراي

“ليبانون ديبايت”- عبدالله قمح

إستغلّ “الرباعي السني” التطورات السياسية السلبية على أكمل وجه. بعد أن كاد لفيفهم أن ينفضّ بضربة بيان ومبادرة، حضر خطاب أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله كمنقذ. تداعوا للردّ على مضمون النقاط التي اوردها السيّد. نظرياً تعاملوا معه وفق القواعد ذاتها، الرد على القطعة وعلى كل نقطة بنقطة، ما يعني حرصهم على عدم الخروج عن الاطار المرسوم أو بث المزيد من السلبيات في أجواء المبادرة الفرنسية الملبدة أصلاً.

عملياً، باتَ تلازم المسارات بين المبادرة الفرنسية وإتفاق الإطار لترسيم الحدود البرية والبحرية مع فلسطين المحتلة تحت إشراف أميركي أمر واقعاً، والاعتقاد أنه سيشكل عاملاً مساعداً في إنتاج حكومة وفق معايير محددة مختلفة عن السياق الذي إعتمد زمن تأليف السفير مصطفى أديب.

الثابت لغاية الآن هو إنقضاء أي إمكانية للعودة إلى تكليف مصطفى أديب أو أحد على وزنه. الجو الراهن، لا سيما لدى “الرباعي السني” يوحي باسترداد التوكيل عن البدلاء وإعادة منحه إلى الاصلاء، اي أننا أمام إحتمال كبير في عودة واحد من ٣ رؤساء حكومات سابقين مرشحين للعودة إلى السراي. ما يحول دون ذلك راهناً، إنشغال قصر بعبدا في عمليات التعقيم الجارية على قدم وساق، وتفرغ رئيس الجمهورية ميشال عون إلى محاولة تأمين توافق على صورة المرحلة بالتنسيق مع رئيس المجلس نبيه بري الذي تقع على عاتقه مهمة تحضير وتجهيز الكتل البرلمانية إلى مرحلة الاستشارات المقبلة.

لكن واقع الأمور، يكشف عن قرار واضح وثابت لدى جانب واسع من المعنيين بأمر التكليف، مفاده العودة عن فصل التكليف عن التأليف والسعي إلى إنتاج “إتفاق سلة” على كافة الجوانب والعناصر، بدءاً من آلية إختيار هوية المكلف الجديد والتدقيق في مدى استقلاليته سياسياً وشخصيته وشكل الحكومة وتوزيعها واسماء الوزراء والبيان الوزاري، فالمطلوب اليوم تسمية رئيس واحد للحكومة لا ٥ رؤساء كما كان الحال مع مصطفى أديب الذي وقع تحت تأثير “نادي رؤساء الحكومات السابقين الاربعة”.

عملياً، هذا يقود إلى الاختيار من بين تركيبة العناصر الاربعة. الأجواء بغالبيتها توحي أن ذلك ممكناً، فمن يجدر به قيادة المرحلة لا بد أن يتمتع بصفات ومواصفات قيادية وقدرة سياسية وإمكانات ظاهرة كي لا يضع قراره عند غيره.

هناك مرشحان رئيسيان. سعد الحريري ونجيب ميقاتي. الأول، أعلنَ باكراً عزوفه عن الترشح أو التسمية. الأسباب معروفة، غالبيتها خارجية تتصل تحديداً بظروف علاقته مع السعودية. مع ذلك، لم تغب المساعي عن محاولة إقناع الحريري. الممر إلى ذلك “شبكة آمان” تبدأ بإقناع السعودية أولاً، لكن هذا العامل غير متوفر بعد. الثاني، اي الرئيس ميقاتي، تتوفر فيه العناصر بشكل أوسع. علاقته مع السعودية مضبوطة ومع الغرب لا تشوبها شائبة، والفرنسيون إذا ما وقعت المفاضلة بين ميقاتي او أي إسم آخر من خارج دائرة “السابقين” يقع الاختيار عليه حتماً، الاهم، أن ما رفع من حظوظه وعززها، طرح – المبادرة التي قدمها قبل أيام، القائمة على حكومة تكنو-سياسية مؤلفة ٢٠ وزيراً (١٤ إختصاصيين و ٦ سياسيين). ميقاتي الذي أطلق عملياً مسار الربط بين التكليف والتأليف، يعلم أن مثل هذا طرح التكنوسياسي بإمكانه جذب الثنائي الشيعي والعودة أشواط بالنقاش الحكومي.

في الواقع، صارت علاقة ميقاتي مع الثنائي الشيعي أفضل، هذا إستثناء يأتي من خارج العلاقة مع “مجلس رؤساء الحكومات السابقين”. خلال حيازة السفير مصطفى أديب التكليف، خاض ميقاتي إتصالات متعددة مع الثنائي الشيعي، تحديداً حزب الله من أجل “سبر أغوار السفير”. كانت تلك مقدمة لترتيب العلاقة مع الضاحية. في المقابل، لم يكن ثمة عائق أو عوائق في العلاقة مع الطرف الآخر من الثنائي أي حركة أمل. فهل أن “مخرج ميقاتي الواقعي” كان مدروساً؟

جملة إحتمالات تشير إلى ذلك، أبرزها الاتصالات التي تجري مع “الحاضنة السياسية” للمبادرة الفرنسية. ما فهم من مستطلعي الاجواء الباريسية أن الاليزيه عدلت في آليات مبادرتها، وقرارها الحالي ترك موضوع الإتفاق على أسم الرئيس المكلف موضع اختيار من قبل الفئة السياسية اللبنانية ضمن سقف مهلة الـ٦ أسابيع الماكرونية. هذا الواقع فرض آليات جديدة يتم الانطلاق منها في البحث عن هوية المكلف.

بالتوازي، ثمة أجواء توحي بأن النقاش حول أسم ميقاتي عاد ليتصدّر واجهة “الصالونات السياسية”، لكن البحث ما زال يدور من خلف الكواليس. عملياً، مفاوضات الكواليس ذات شأن في تقرير مصير الطبخة الحكومية إن لم تكن لديها الكلمة الفصل، مع ذلك فإنه من المبكر كشف طبيعة الاتصالات التي تدور من خلف الجدران. وبخلاف ما ذكر سابقاً عن دور لمستشار الرئيس ميقاتي خلدون الشريف في تسويق الرئيس السابق للحكومة لدى الفرنسيين، تؤكد معلومات “ليبانون ديبايت” أن الشريف توجه فعلاً إلى السفارة الفرنسية يوم الاثنين ما قبل الماضي ومكث فيها ١٣ دقيقة بغاية تجديد تأشيرة دخوله إلى الاراضي الفرنسية ما لبث أن غادر. في هذا الوقت، توحي الأجواء أن الفرنسيين يفكرون بسعد الحريري، وهذا ما لمسه الناشطون على الخط الباريسي، مع ذلك فإن خلاصة موقفهم مبني في الأساس على خلاصة موقف الحريري من العودة غير متوفرة الظروف بعد.

Exit mobile version