تخبط سياسي الى درجة “الانفصام”.. والتكليف في علم الغيب!


كتب غسان ريفي في “سفير الشمال”: في الوقت الذي يواجه فيه اللبنانيون شتى أنواع المخاطر السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية والاجتماعية والانسانية، معطوفة على التهديد بالفقر والجوع وكورونا وبفقدان الأدوية والمحروقات والكهرباء، لا يبدو أن أحدا من التيارات والأحزاب مستعجلا لتأليف “حكومة الانقاذ” بعدما تقدمت المصالح الشخصية والمكاسب الحزبية على المصلحة الوطنية العليا..

أربعة أيام على إنطلاق الجزء الثاني من مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الممددة لستة أسابيع، والجمود الحكومي ما يزال سيد الموقف، والتكليف في علم الغيب، والتأليف في خبر كان، ما يوحي بأن مهلة المبادرة لن تكون كافية لا سيما في ظل الشروط والشروط المضادة، وعمليات التعطيل الممنهجة التي تواجهها المسيرة الحكومية.

يبدو أن رئيس الجمهورية ميشال عون عاد الى نغمة التأليف قبل التكليف، والى خرق الدستور الذي حلف اليمين على صيانته، وربما تكون إصابة بعض كبار الموظفين في القصر الجمهوري إضافة الى النائب جبران باسيل بفيروس كورونا مقدمة لمزيد من التأخير بذريعة حرص عون على حجر نفسه 14 يوما بسبب مخالطتهم، ما سيضيّع من مهلة ماكرون إسبوعين.

في حين رسم حزب الله عبر كلام السيد حسن نصرالله خارطة الطريق التي توصل الى تأليف الحكومة، وهي مشاركة التيارات السياسية فيها، بما يطيح بمبادرة ماكرون التي تم التوافق عليها في قصر الصنوبر وهي تشكيل حكومة إختصاصيين مصغرة من دون إنتماءات سياسية.

أما رؤساء الحكومات السابقون، فقد أطفأ بعضهم محركات التكليف والتأليف معا، بينما حرص الرئيس نجيب ميقاتي على فتح ثغرة في جدار الأزمة بتقديم مبادرة تشكيل الحكومة العشرينية الـ “تكنوسياسية”، وهي جديرة بالنقاش والبحث، خصوصا أنها يمكن أن تشكل قاسما مشتركا بين ما يطلبه الثنائي الشيعي وقوى 8 آذار وبين ما يحرص عليه الرئيس الفرنسي، وبين ما يُنقذ البلد، وذلك في حال صدقت نوايا تسهيل المهمة الحكومية.

ترى مصادر سياسية مطلعة أن الكل في لبنان مأزوم، وأن الأزمة الأساسية التي تواجهها بعض التيارات والأحزاب تتلخص بالتخبط، و”طلب الشيء ونقيضه” الى درجة “الانفصام السياسي”.

وتقول هذه المصادر: إن المبادرة الفرنسية لم تكن أحجية أو لغزا، بل كانت واضحة جدا، وتقضي بتشكيل حكومة مصغرة من إختصاصيين ومستقلين ومن دون إنتماءات حزبية، وقد وافق عليها المجتمعون مع الرئيس ماكرون في قصر الصنوبر، وترجموا موافقتهم في الاستشارات النيابية غير الملزمة التي أجراها الرئيس مصطفى أديب، بإعلانهم الزهد الحكومي بعدم طلب أي حقيبة أو وزير، ما دفع أديب الى المباشرة بإعداد تشكيلته وفقا لمبادئ المبادرة الفرنسية وليس وفقا لأي شيء آخر.

لذلك ترى المصادر نفسها، أن الحديث عن محاولات إستثناء التيارات السياسية أو الكتل النيابية والانقلاب عليها، وتشكيل حكومة مواجهة، هو غير دقيق ويهدف الى “ذر الرماد في العيون” لتمرير التعطيل، خصوصا أن ثمة أكثرية نيابية قادرة على عدم منح الثقة للحكومة، أو أن تسارع عند أي خلل حكومي تراه الى عقد جلسة نيابية لسحب الثقة منها وإسقاطها في مجلس النواب، إلا إذا كان البعض يشعر أنه لم يعد يمتلك الأكثرية، وأن رئيس الجمهورية وتياره السياسي يسيران ضمن الركب الفرنسي.

وتختم هذه المصادر: إن إتهام رؤساء الحكومات السابقين بتشكيل الحكومة يوحي بأن البعض يناقض نفسه، ويتعامل بمبدأ “الصيف والشتاء على سطح واحد”، فالثنائي الشيعي أتى بالرئيس حسان دياب ومرر تسميته، وشكل مع حلفائه حكومته وفرضوا الوزراء من المستشارين والمقربين خلف قناع التكنوقراط، ووضعوا البيان الوزاري وأعطوا الثقة على أساسه، من دون أن يأخذوا في الاعتبار رأي وحضور المكوّن السني، ما جعل دياب مقطوعا من شجرة، وقاد بحكومته البلاد نحو مزيد من الخراب؟..
سفير الشمال

 

Exit mobile version