كتب منير الربيع في “المدن”: نقل رئيس وزراء الإسرائيلي الإهتمامات اللبنانية من الشؤون المعيشية والاقتصادية والسياسية، إلى الشأن الأمني. وهذه سياسة إسرائيلية واضحة، باستمرار اللعب على إيقاع الشرخ بين بيئات المجتمع اللبناني المختلفة وحزب الله، وصولاً إلى تخويف بيئة الحزب الحاضنة منه.
حزب الله عارياً
فتفجير مرفأ بيروت أدى إلى إنقلاب كامل لدى الرأي العام اللبناني والمسيحي، خصوصاً تجاه الحزب إياه. وتفجير عين قانا استهدف مجتمع حزب الله اللصيق، لتأتي تهديدات نتنياهو بتفجير مشابه لتفجير مرفأ بيروت في منطقة الجناح، أو في محيط مطار بيروت. وهي منطقة كاملة الولاء لحزب الله.
فالتهديدات الإسرائيلية لا تهدف فقط إلى زرع الشقاق بين اللبنانيين، بل إلى جعل حزب الله وحيداً وعارياً.
وتترافق حملة التهديدات هذه مع موجة ضغوط هائلة على القوى السياسية اللبنانية كلها، وصولاً إلى التلويح بالعقوبات على كل من يتعاون مع حزب الله. حتى وصل الأمر إلى تلويح مساعد وزير الخارجية الأميركية، ديفيد هيل، بهذا الامر. على الرغم من أن هيل من الحمائم الذين يفضلون تغليب منطق الحوار بدلاً من التهديد.
نتنياهو وشينكر واليونيفل
هذا أحد مؤشرات التصعيد الأميركي المستمر ضد حلفاء حزب الله لعزله. قد يكتفي نتنياهو بالاستعراض الإعلامي والتحريض. ولكن لا بد من التحسب للفعل الإسرائيلي في لحظات حرجة سياسياً وانتخابياً في أميركا. قد يتجلى الفعل الإسرائيلي بالإقدام على خطوات بالغة الخطورة في لبنان: استهداف مواقع لحزب الله في مناطق لبنانية متفرقة.
وإذا أراد الإسرائيليون استنساخ تجربة التفجيرات المتنقلة التي استهدفت الأراضي الإيرانية، يكون لبنان قد استعاد دوره كساحة لتصفية الحسابات العسكرية. وقد ينفذ نتنياهو تهديداته، لإيقاع المزيد من الشروخ، وإحراج حزب الله، والضغط على قوات اليونيفيل لتوسيع صلاحياتها.
وبالتزامن مع هذا التصعيد والتهديد الإسرائيليين، يستمر البحث عن مفاوضات ترسيم الحدود، وينتظر لبنان تحديد موعد لزيارة ديفيد شينكر بهدف إعلان اتفاق الإطار. ولا يمكن فصل مواقف نتنياهو عن هذه المفاوضات، التي سيكون ملف الصواريخ الدقيقة حاضراً بقوة خلال مناقشة تفاصيل عملية الترسيم.
الترسيم ينفي السلاح
وترسيم الحدود في شقه الأساسي يعني إرساء استقرار معين في المنطقة الحدودية. لكن منطق الاستقرار يتنافى مع منطق السلاح. والتوقيع على اتفاق الترسيم، يعني اعترافاً لبنانياً بإسرائيل، مع ما يترتب عليه من تبعات ومندرجات سياسية متعددة الأبعاد. عندها ستتعالى الأصوات اللبنانية والدولية القائلة: ما الغاية من السلاح والتمسك به، طالما وقع اتفاق الترسيم؟! وما الغاية من استمرار المقاومة، تالياً؟!
هذه الأسئلة ربما ستكون إحدى أبرز المؤشرات على طول فترة التفاوض، في انتظار تطورات المنطقة وما ستؤول إليه العلاقات الأميركية – الإيرانية.
عودة إلى مزارع شبعا
وهناك سؤال آخر حول مزارع شبعا: الترسيم البرّي الإسرائيلي لا يلحظ لبنانية مزارع شبعا، وهو يضمها للجولان الذي أعلنت إسرائيل ضمه إليها. فهل سيوافق لبنان على ترسيم مبتور، أم أن المفاوضات ستتعلق عند هذه النقطة، ام أن الضغط الدولي والأميركي والإسرائيلي سيتكثف، ولو اقتضى الأمر عملاً عسكرياً لإجبار لبنان على التوقيع والتنازل؟
وهناك من يقول إن عملية الترسيم التفصيلية ستنقسم على مراحل: تُرسيم منطقة معينة، مقابل بقاء مزارع شبعا وتلال كفرشوبا غير خاضعة للعملية الرسمية المنجزة. وهكذا يتمسك حزب الله بسلاحه حتى تحريرها.
هذه الأسئلة تظل مطروحة طوال فترة التفاوض، ومعها التهديد المفتوح على احتمال تطورات عسكرية.
ويبقى الأهم الذي يوازي مفاوضات الترسيم أو يليها في حال الاتفاق عليها: الضغوط المستمرة على حزب الله وسلاحه في لبنان كله، وليس في الجنوب فقط. هذه الضغوط أصبح مسارها واضحاً، وهدفها أوضح. وجاء على لسان السفير الأميركي لدى تل أبيب ديفيد فريدمان، إنّ العلاقة بين لبنان وإسرائيل “تتحسّن”، محذراً في الوقت نفسه من التفاؤل في ظلّ وجود “حزب الله”.